الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ }

قال الله تعالى: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } قال الزجاج: جاء في التفسير عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: أن ابن الكواء سأله عن تفسير الذاريات فقال: الرياح. قال: { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً }؟ فقال عليه السلام: السحاب. قال: { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً }؟ قال: الفلك. قال: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً }؟ قال عليه السلام: الملائكة.

قال الزجاج: والمفسرون جميعاً يقولون بقوله في هذا.

قال: " والذاريات " مجرور على القسم. المعنى: أحلف بالذاريات وبهذه الأشياء. والجواب: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ }.

وقال قوم: المعنى: ورب الذاريات ذرواً، كما قال:فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [الذاريات: 23].

والذاريات: من ذرَتِ الريح تذْرُو؛ إذا فرّقت التراب وغيره. يقال: ذرَتِ الريح وأذرَتْ بمعنى واحد، ذرَّت فهي ذارِيَة، وهُنَّ ذاريات، وأذرَتْ فهي مُذْرِية ومُذْرِيات للجماعة. هذا كله كلام الزجاج.

وقال غيره: للعرب أيمانُ يُجْرونها على ما استمرت به عادتهم، كحلفهم بعَمْرو الإنسان، وسير الجمال، وركض الخيل، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والأشجار، وغير ذلك مما يستعظمونه، فخوطبوا بما يفهمون، ألا ترى إلى قول أمية بن أبي الصلت:
حَجَّ عليها رجلٌ أشيب   
فحلف بحياة ناقته.

وقال آخر:
أما ودماءٍ لا تزالُ كأنها على   اللاتِ والعزى وبالنَّسْر عندما
فحلف بالدماء.

وهذا أكثر من أن يحصى.

فقوله تعالى: { وَٱلذَّارِيَاتِ } يمين برب القدرة على إذراء الرياح، وكذلك: والمرسلات، والنازعات، والطور، والنجم، وسائر ما ذكر في القرآن من الأيمان. ولا خلاف بين العلماء أن " الذاريات ": الرياح.

و " ذرواً " نصب على المصدر.

وأما " الحاملات " فهي السحاب. " وقراً " مفعول به، على معنى: تحمل ثقلاً من الماء.

و " الجاريات ": السفن، " يسراً ": أي: تجري جرياً ذا يُسْر، أي: سهولة.

وقد قيل: إن " الجاريات ": السحاب [أيضاً] ، تجري حيث سيرها الله تعالى.

قال الأعشى:
كأنَّ [مِشْيَتَها] من بيتِ جارتها    مشيُ السحابةِ لا ريثٌ ولا عجل
وأما " المقسمات " فالمشهور عندهم: أنها الملائكة، يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به.

قال ابن السائب ومقاتل: هم أربعة: جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل [وهو] صاحب [الصور] واللوح، وعزرائيل وهو قابض الأرواح.

قال الحسن: المقسمات: السحاب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد.

وقيل: إن المقسمات: الكواكب السبعة التي أقسم الله تعالى بها فقال تعالى:فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } [التكوير: 15-16] فإنها ضُمّنت أحكام العالم.

والصحيح: الأول.



قوله تعالى: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } يعني: من البعث والجزاء، من الثواب والعقاب { لَصَادِقٌ } حق.

{ وَإِنَّ ٱلدِّينَ } الجزاء والحساب { لَوَٱقِعٌ } كائن لا محالة.