الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

ثم هدَّد كفار مكة بالآية التي تليها.

قوله تعالى: { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } قرأ جمهور القراء: " فنَقَّبُوا " بفتح النون والقاف مع التشديد.

وقرأ بالتخفيف: العُمَران؛ ابن الخطاب وابن عبدالعزيز، وقتادة.

قال قتادة: ساروا وطوَّفُوا.

وقال ابن جريج: اتخذوا فيها طرقاً ومسالك، وأصله من النَّقْب، وهو الطريق، وأنشدوا:
وقد نقَّبْتُ في الآفاق حتى     رضيتُ من الغنيمةِ بالإيَاب
وقرأ أبي بن كعب، وابن عباس، والحسن، وابن السميفع: بكسر القاف، على الأمر، بمعنى: التهديد والوعيد.

" هل من محيص " استفهام في معنى الإنكار.

قال الزجاج: طوَّفوا وفتَّشوا فلم يروا محيصاً من الموت.

وقال قتادة: حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركاً.

وهذا تخويفٌ لكفار مكة [وإعلام] لهم أنهم على مِثْل سبيل من كان قبلهم، لا يجدون مفرّاً من الموت المفضي بهم إلى عذاب الله.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي ذكر من إهلاك القرى { لَذِكْرَىٰ } لتذكرة وموعظة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } قال ابن عباس: عقل.

قال الفراء: وهذا جائز في العربية أن تقول: ما لك قلب، وما معك قلبك، أي: ما عقلُك معك.

وقال ابن قتيبة: لما كان القلبُ محلَّ العقل كَنَّى عنه به.

وقيل: كَنَّى به عن النفس المميزة. المعنى: لمن كانت له حياة.

وقيل: المعنى: لمن كان له قلب واعٍ؛ لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قَلْبَ له.

{ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أصغى إلى مواعظ القرآن وزواجره. تقول العرب: ألْقِ سَمْعَكَ إليَّ، أي: استمع مني.

{ وَهُوَ شَهِيدٌ } حاضر القلب غير ساهي ولا لاهي.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } سبق تفسيره.

{ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } تعب ونصب.

قال المفسرون: قالت اليهود: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئاً، فأكذبهم الله تعالى بقوله: { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }.

{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من الكذب والبهت.

قال المفسرون: هذا كان قبل الأمر بالقتال.

وقيل: الصبر مأمور به على كل حال، [فلا] نسخ.

{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي: سبح حامداً ربك، { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ }.

قال ابن عباس: صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.

وفي الصحيحين [من حديث] جرير بن عبد الله قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تُضَامُون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب [فافعلوا]، وقرأ: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } ".

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } قال مقاتل: صلاة المغرب والعشاء.

وقال مجاهد: صلاة الليل كله.

{ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } قرأ نافع وابن كثير وحمزة: " وإِدْبَار " بكسر الهمزة، مصدر أدْبَر. وقرأ الباقون بفتحها، جمع دُبُر.

أخرج البخاري من حديث مجاهد عن ابن عباس قال: " أمَرَهُ أن يسبح في أدبار الصلوات كلها. يعني: قوله: { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } ".

وقال عمر وعلي والحسن بن علي وأبو هريرة والحسن ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة: هو الركعتان بعد المغرب.

وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إدبار النجوم: الركعتين قبل الفجر، وإدبار السجود: الركعتين بعد المغرب ".

وقال ابن زيد: النوافل بعد المفروضات.