قال الله تعالى: { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } قرأ الأكثرون: " قافْ " [بسكون] الفاء. ونصبها أبو عبدالرحمن وأبو رجاء وأبو المتوكل وأبو الجوزاء، ورفعها أبو رزين وقتادة، وكسرها الحسن وأبو عمران الجوني. وقد سبق القول على علل ذلك في سورة " ص " ، وعلى الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وقال قتادة: من أسماء القرآن. وقال مجاهد والفراء والزجاج: معناه: قضي الأمر، كما قيل في " حم ": حُمّ الأمر. وقال الضحاك: هو اسم للجبل المحيط بالأرض، وهو من زمردة خضراء، عليه كتفا السماء، وخضرة السماء منه. قال ابن عباس: خلق الله تعالى جبلاً يقال له: قاف، يحيط بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فتحرَّك العرق الذي يلي تلك القرية. وقال أبو العالية: هو افتتاح اسم قدير. وقال القرظي: افتتاح كل اسم لله أوله قاف، مثل: قدير، وقاهر، وقريب. وقال أبو بكر الوراق: معناه: قف عند أمرنا ونهينا. وقيل: معناه: قل يا محمد. والمجيد: [الكريم]، في قول ابن عباس وعامة المفسرين. فإن قيل: أين جواب القسم؟ قلتُ: قال الأخفش: جوابه محذوف، تقديره: والقرآن المجيد لتبعثن. ويدل عليه قوله تعالى: { أَءِذَا مِتْنَا }. وقيل: جوابه: إن محمداً رسول الله، بدليل قوله تعالى: { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ }. وقال ابن كيسان: جوابه:{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } [ق: 18]. وقيل: { قَدْ عَلِمْنَا } أي: لقد علمنا، فحذف اللام؛ كقوله تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [الشمس: 9]. وقال أهل الكوفة: جوابه: { بَلْ عَجِبُوۤاْ } وهو مفسر في " ص " إلى قوله تعالى: { شَيْءٌ عَجِيبٌ } ، أي: معجب. { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } فيه إضمار، تقديره: نبعث، فحذفه لدلالة الكلام عليه. { ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } رد إلى الحياة بعيد غير كائن. { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ } أي: ما تأكله من لحومهم وعظامهم وأشعارهم وتشرب من دمائهم. وقال قتادة: قد علمنا من يموت منهم. { وَعِندَنَا } بذلك وبغيره { كِتَابٌ حَفِيظٌ } محفوظ من التبديل والتغيير، أو حافظ لأسمائهم وعدتهم، وهو اللوح المحفوظ. { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } وقرأ عاصم الجحدري: " لِمَا " بكسر اللام وتخفيف الميم، أي: عند مجيئه إياهم. قال ابن جني: هو كقولهم: أعطيته ما سأل لطِلْبَتِهِ، أي: عند طلبته ومع طِلْبَتِهِ، وكذلك في التاريخ: لخَمْس خَلَوْن، أي: عند خمس خلون، أو مع خمس خلون، فيرجع ذلك بالمعنى إلى قراءة العامة. و " الحق ": القرآن. { فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } ملتبس مختلط. ومنه الحديث: " مَرِجَتْ عهودهم وأمانتهم ". قال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم. قال الزجاج في معنى اختلاط أمرهم هاهنا: [هو] أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم مرة شاعر، ومرة ساحر، ومرة معلم، وللقرآن أنه سحر، ومرة مفترى، فكان أمرهم ملتبساً مختلطاً عليهم.