الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

قوله تعالى: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } أي: جاءت غمرته وشدته التي تغشى الإنسان فتذهب بعقله، بالحق الثابت من أمر الآخرة، فأبانت له ما كان يجهله من ذلك.

وقيل: جاءت بحقيقة الموت.

وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق وابن عباس والحسن: " سَكْرَةُ الحقِّ بالموت ".

قال محمد بن جرير الطبري: لهذه القراءة وجهان:

أحدهما: أن يكون الحق هو الله تعالى، فيكون المعنى: وجاءت سكرة الله بالموت.

والثاني: أن السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها، كقوله تعالى:إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة: 95]، فيكون المعنى: وجاءت السكرة الحق [بالموت].

ويروى: أن عائشة رضي الله عنها أنشدت عند أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين احتُضر:
لعمرُكَ ما يُغني الثَّرَاءُ عن الفتى    [إذا] حَشْرَجَتْ يوماً وضَاقَ بها الصدر
فقال لها أبو بكر: يا بنية! لا تقولي ذلك، ولكنه كما قال الله: " وجاءت سكرة الحق بالموت ".

وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني: " وجاءت سكرات " على الجمع، وتقديم " الحق " ، ومثلهما قرأ أبي بن كعب وسعيد بن جبير: " سكرات ".

قوله تعالى: { ذَلِكَ } أي: فيقال للإنسان ذلك { مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }.

قال ابن عباس: تكره.

وقال الضحاك: تَرُوغ.

وقال الحسن: تهرب.

وأصل الحَيْد: المَيْل، يقال: حَادَ يَحيدُ حَيْداً، وأنشدوا قول طرفة:
أبا مُنذرٍ رُمْتَ الوفاءَ فهبتَهُ   وحِدتَ كما حَادَ البعيرُ عن الدَّحْضِ
قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } مذكورٌ في الأنعام.

والمراد: نفخة البعث.

{ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } قال مقاتل: يعني بالوعيد: عذاب الآخرة.

والمعنى: ذلك يوم وقوع الوعيد.

ويجوز أن يكون الموعود، فصُرف وأضيف.

قوله تعالى: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } أي: وجاءت ذلك اليوم كل نفس معها، ولغة بني تميم " مَعْها " بإسكان العين، سائق يسوقها إلى المحشر، وشهيد يشهد لها وعليها، وهما من الملائكة في قول جمهور المفسرين.

قال ابن السائب: السائق الذي كان يكتب عليه السيئات، والشهيد الذي كان يكتب الحسنات.

وقيل: السائق: القرين من الشياطين، والشهيد: العمل.

وقيل: الجوارح.

والآية عامة في قول عامة المفسرين.

وقال الضحاك: خاصة في الكفار.

{ لَّقَدْ كُنتَ } على إضمار القول، تقديره: فيقال: لقد كنت أيها الإنسان.

وقيل: الخطاب: للكافر. وهو قول ابن عباس.

والمعنى: لقد كنت في دار الدنيا.

{ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } الذي صرت إليه، { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } وهي الأكِنَّة الصادّة له عن النظر، { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي: حادٌّ ثاقب.

قال مجاهد: وذلك حين ينظر إلى لسان الميزان حين توزن حسناته وسيئاته.

وقال [مقاتل]: حديدٌ شاخصٌ لا يَطْرُف.

وقال الزجاج: علمُك اليوم نافذ، لم يرد به حقيقة البصر.

[وقال] ابن زيد: هذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، على معنى: لقد كنت في غفلة عن الرسالة والوحي، فكشفنا عنك غطاءك بالوحي، فبصرك اليوم، أي: عملك في الدنيا حديد.

والقول الأول أظهر وأشهر.

وتؤيده قراءة الجحدري: " لقد كنتِ " بكسر التاء، " عنكِ غطاءكِ فبصركِ " بكسر الكاف فيهنّ، على المخاطبة للنفس.