الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

قوله تعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } قال الواحدي: " ونحن أقرب إليه " بالعلم، " من حبل الوريد ": وهو عرق يتفرق في البدن، مخالطٌ للإنسان في جميع أعضائه، وذلك أن أبعاض الإنسان يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علم الله تعالى شيء.

وقال الزجاج: الوريد: عرق في باطن العنق، وهما وريدان.

قال الفراء: الوريد: عرق بين الحلقوم [والعِلْباوين.

والعِلْباوان: العصبان الصفراوان] في متن العنق.

والحَبْل: هو الوريد، والقول فيه كالقول في: " وحَبَّ الحصيد ".

ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه مع علمه بالإنسان وقربه منه قد وكل به ملكين يحفظان عليه أقواله إلزاماً للحجة عليه، وتحقيقاً لمعنى العدل، فقال تعالى: { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ }.

قال الزجاج: هما كاتباه الموكَّلان به، يتلقيان ما يعمله فيثبتانه عليه. المعنى: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، [فدل] أحدهما على الآخر.

قال غيره: فحذف المدلول عليه. كقول الشاعر:
نحنُ بما عندنا وأنتَ بما عِنْـ     ـدَكَ راضٍ والرأيُ مختلف
والمراد بالقعيد هاهنا: الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم.

قال مجاهد: عن اليمين كاتب الحسنات، وعن الشمال كاتب السيئات.

{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } أي: ما يتكلم من كلام يلفظه، أي: يلقيه من فمه { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } حافظ موكل به { عَتِيدٌ } حاضر معه ملازم له.

وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، فكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة [وأراد] صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين: أمسك، فيمسك عنه سبع ساعات، فإن استغفر منها لم يكتب عليه شيء، وإن لم يستغفر كتب عليه سيئة واحدة ".

فصل

اختلفوا هل يكتبان عليه جميع أقواله وأفعاله؟ فذهب قوم إلى أنهم يكتبون جميع ما يصدر منه؛ قال مجاهد: حتى أنينه في مرضه.

وقال عكرمة: لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر فيه.

وقال الضحاك: مجلسهما على الحنك.

وكان الحسن يعجبه أن ينظف [عَنفقته].

فصل

وفي هذه الآية ما يزجر المكلف عن إطلاق لسانه فيما لا يعنيه.

ويروى أن علياً رضي الله عنه سمع رجلاً يَشتم رجلاً، فقال له: يا هذا إنك تُمْلِي على كاتبيك كتاباً إلى ربك، فانظر على من تُمْلِ وإلى من تَكْتُب.

وقال مخلد بن الحسين: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة.

وكان وهب بن منبه يَعُدُّ كلامه كل يوم ويحفظه.

وقال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من [فمك، فإنما] جعل لك أذنان لتسمع أكثر مما تتكلم به.

السابقالتالي
2