الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } نزلت في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً إلى بني المصطلق، فلما سمعوا به خرجوا ليتلقوه تعظيماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم [يريدون] قتله، وكان يعاديهم في الجاهلية، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمَّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله، فبدا له الرجوع، فخشينا أنما يكون رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبت علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث خالد بن الوليد في خفية في عسكر، [وأمره] أن يخفي عليهم قدومه، فقال له: انظر، فإن [كان] رأيهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار، ففعل ذلك ووافاهم، فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ صدقاتهم ولم ير منهم شيئاً إلا الطاعة والخير.

فانصرف خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ... } الآية.

قوله تعالى: { فَتَبَيَّنُوۤاْ } مذكور في سورة النساء وتفسيره واختلاف القراء فيه. { أَن تُصِيبُواْ } مفعول له، أي: [كراهة] إصابتكم { قَوْمًا }.

وقوله: { بِجَهَالَةٍ } حال، كقوله تعالى:وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ } [الأحزاب: 25] يعني: جاهلين بحقيقة الأمر.

{ فَتُصْبِحُواْ } أي: فتصيروا { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ } من إصابتهم { نَادِمِينَ }.

ثم وعظهم وخوفهم فقال: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } معناه: اجتنبوا الكذب وغيره من أسباب الفسق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أفتأمنون أن يفضحكم الله تعالى بإطلاعه عليكم.

ثم قال تعالى: { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } مما تخبرونه به من الباطل { لَعَنِتُّمْ } لوقعتم في العنت. وهو الضَّرر. وقيل: الإثم والهلاك.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ } أيها المؤمنون المتحرزون من أسباب الفسق { ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } وحسنه عندكم بما ألهمكم من الهدى والبراهين الشاهدة بصحته.

{ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ } قال ابن عباس: يريد: الكذب.

{ وَٱلْعِصْيَانَ } جميع معاصي الله، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } المهتدون إلى محاسن الأمور.

ثم أخبر الله تعالى أن ذلك بفضل منه فقال تعالى: { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } قال الزجاج: منصوب مفعول له. والمعنى: [فعل] الله ذلك بكم للفضل والنعمة عليكم.

{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بمن يحبب إليه الإيمان ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، { حَكِيمٌ } في تدبيره وقضائه وتقديره.