الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } هذا من تمام ما نزل في وفد بني تميم، على ما ذكرناه في حديث ابن الزبير.

قال جابر بن عبد الله: جاءت بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب: يا محمد! اخرج، فإن مدحَنا زين وذمّنا شين، قال: فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحُه زين وذمه شين، فقالوا: نحن أناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بُعثت ولا بالفخار أُمرت، ولكن هاتوا، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض، من أكثرهم عدة ومالاً وسلاحاً، فمن أنكر علينا فضلنا وقولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وبفعال هو خير من فعالنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس - وكان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم -: قم فأجبه، فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهاً وأعظمهم أحلاماً فأجابوه، فقالوا: الحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله، وعزاً لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا ماله ودمه، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه في الله علينا هيناً. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات.

فقال الزبرقان لشاب من شبابهم: قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فأنشد أبياتاً يفتخر فيها، أولها:
نحنُ الكرامُ فلا حيٌّ يُعادِلُنا    فينا الرؤوسُ وفينا يُقسم الرّبع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قم] يا حسان فأجبه، فقام حسان فأنشد أبياتاً منها:
إن الذوائبَ من فِهْرٍ وإخوتهم   قد شرعوا سُنَّةً للناس تُتَّبَع
ثم أنشد أبياتاً غيرها منها:
فأحياؤُنا من خير من وطِئَ الحصا   وأمواتُنا من خير أهل المقابر
فقام الأقرع بن حابس فأنشد أبياتاً منها:
أتيناكَ كيما يعرفَ الناسُ فضلَنا   إذا خالفُونا عند ذِكْرِ المكارم
وإنا رؤوسُ الناس من كل معشرٍ    وأن ليسَ في أرضِ الحجاز [كَدَارِم]
فأجابه حسان بن ثابت بأبيات منها:
فلا تجعلوا لله نِداً [وأسْلِمُوا]   ولا تَفْخَرُوا عند النبي بدارم
وإلا وربِّ البيتِ مالتْ أكفّنا    على هَامِكُم بالمرْهَفَاتِ الصَّوارِم
فقام الأقرع بن حابس فقال: ما أدري ما هذا! تكلم خطيبنا فكان خطيبكم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعركم أشعر، ثم دنا فأسلم، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.

السابقالتالي
2