الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } قال المفسرون: نزلت في أعراب بني أسد بن خزيمة، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة مجدبة، فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارهم، وكانوا يمنّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك. فنزلت هذه الآية.

قال الزجاج: الإسلام: إظهار الخضوع والقبول لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يحقن الدم، فإن [كان] مع ذلك الإظهار اعتقاد [وتصديق] بالقلب فذلك الإيمان. والذي هذه صفته مؤمن مسلم. فأما من أظهر قبول الشريعة فهو في الظاهر مسلم، وفي الباطن غير مُصدق، فقد أخرجه الله من الإيمان بقوله: { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي: لم تصدقوا بما أسلمتم تعوذاً من القتل.

{ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال ابن عباس: إن تخلصوا الإيمان.

{ لاَ يَأْلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } قرأ أبو عمرو: " يألتكم " بهمزة بعد الياء، من أَلَتَ يَأْلِتُ أَلْتاً، مثل: ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْباً، وحجته:وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } [الطور: 21].

وقرأ الباقون " يَلِتْكُم " بغير همز، من لاَتَ يَلِيتُ، مثل: بَاعَ يَبِيعُ. وحُجتهم: أنها مكتوبة في المصحف بغير ألف. ومعناهما واحد.

قال ابن عباس: لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً. [وأنشدوا] قول الحطيئة:
أبلغْ سَراةَ بني سعدٍ مُغَلْغَلَةً    جَهْدَ الرِّسَالةِ لا أَلْتاً ولا كَذِبَا
أي: لا نقصاناً ولا كذباً.

وقيل: المعنى: لا نمنعكم من ثواب أعمالكم شيئاً، وأنشدوا قول رؤبة:
وليلةٍ ذاتِ نَدىً سريتُ     ولم يَلِتْنِي عنْ سُرَاهَا ليتُ
والمعنى متقارب.

ثم نعت الله تعالى المؤمنين في الآية التي تليها.

قال المفسرون: لما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون، وعرف [الله] غير ذلك منهم، فأنزل الله تعالى: { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ }.

علم هاهنا بمعنى: أعلم، ولذلك دخلت الباء في " بدينكم ".

{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فهو يعلم ما أنتم عليه لا يحتاج إلى إخباركم. وفيهم نزل: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } فإنهم قالوا: أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان.

قرأ ابن كثير: { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } بالياء على لفظ الغيبة؛ لتقدم ذكرها في قوله: { يَمُنُّونَ }.

وقرأ الباقون بالتاء ، حملاً على قوله: { قُل لاَّ تَمُنُّواْ } وما في حيزه. والله أعلم.