قوله تعالى: { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } القوم: الرجال الذين يقومون بالأمور، [ولذلك] قال: { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } ، وقد ذكرنا ذلك في أوائل البقرة. وقوله تعالى: { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } و " خيراً منهم " كلام مستأنف موقعه موقع جواب مستخبر عن علة النهي، ولولا ذلك لكان حقه أن يوصل [بالفاء]. والسبب في نزولها: ما روى أبو صالح عن ابن عباس: أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوماً يريد الدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان به صمم، فقال لرجل بين يديه: افسح، فقال له الرجل: قد أصبت مجلساً، فجلس مغضباً، ثم قال للرجل: من أنت؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت: أنت ابن فلانة، فذكر أماً له كان يُعيّر بها في الجاهلية، فأغْضى الرجل ونكس رأسه، فنزلت هذه الآية. وقال الضحاك: نزلت في وفد تميم حين استهزؤوا بفقراء المسلمين؛ لما رأوا من رثاثة حالهم. قوله تعالى: { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } نزل على سبب آخر، وهو ما روي عن أنس بن مالك: " أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم عيّرن أم سلمة بقصرها، فنزلت هذه الآية ". وقال ابن عباس: نزلت في امرأتين من [أزواج] النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت حَقْوَيْها بسَبَنِيَّة - وهو ثوب أبيض - [وسدلت] طرفها خلفها. فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تَجُرُّ خلفها، كأنه لسان كلب. وروي عنه أيضاً: أن صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يعيرنني ويقُلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلاّ قلت: أبي هارون، وعمّي موسى، وزوجي محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين. فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله تعالى: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } سبق تفسير اللمز فيما مضى. والمعنى: لا تعيبوا إخوانكم، فإن المؤمنين كنفس واحدة. { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أخرج الترمذي في جامعه وأبو داود - واللفظ له - عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: " فينا نزلت هذه الآية بني سلمة، قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان [أو ثلاثة]، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضبُ من هذا الاسم، فأنزلت [هذه] الآية: { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } ". قال المفسرون: هو أن يقول لأخيه المسلم: يا فاسق يا منافق، أو لمن أسلم: يا يهودي، يا نصراني، يا كلب، يا حمار. فأما الألقاب الحسنة التي لا تقتضي غيظاً [ولا] أذى ولا كذباً؛ كالصِّدّيق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وذي النورين لعثمان، وسيف الله لخالد، وأمثال ذلك، فغير مكروهة ولا منهي عنها. قوله تعالى: { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي: بئس الاسم أن يقول: يا يهودي وقد أسلم، أو يا فاسق وهو طائع. { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }.