الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } القوم: الرجال الذين يقومون بالأمور، [ولذلك] قال: { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } ، وقد ذكرنا ذلك في أوائل البقرة.

وقوله تعالى: { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } و " خيراً منهم " كلام مستأنف موقعه موقع جواب مستخبر عن علة النهي، ولولا ذلك لكان حقه أن يوصل [بالفاء].

والسبب في نزولها: ما روى أبو صالح عن ابن عباس: أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوماً يريد الدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان به صمم، فقال لرجل بين يديه: افسح، فقال له الرجل: قد أصبت مجلساً، فجلس مغضباً، ثم قال للرجل: من أنت؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت: أنت ابن فلانة، فذكر أماً له كان يُعيّر بها في الجاهلية، فأغْضى الرجل ونكس رأسه، فنزلت هذه الآية.

وقال الضحاك: نزلت في وفد تميم حين استهزؤوا بفقراء المسلمين؛ لما رأوا من رثاثة حالهم.

قوله تعالى: { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } نزل على سبب آخر، وهو ما روي عن أنس بن مالك: " أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم عيّرن أم سلمة بقصرها، فنزلت هذه الآية ".

وقال ابن عباس: نزلت في امرأتين من [أزواج] النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت حَقْوَيْها بسَبَنِيَّة - وهو ثوب أبيض - [وسدلت] طرفها خلفها. فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تَجُرُّ خلفها، كأنه لسان كلب.

وروي عنه أيضاً: أن صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يعيرنني ويقُلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلاّ قلت: أبي هارون، وعمّي موسى، وزوجي محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } سبق تفسير اللمز فيما مضى.

والمعنى: لا تعيبوا إخوانكم، فإن المؤمنين كنفس واحدة.

{ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أخرج الترمذي في جامعه وأبو داود - واللفظ له - عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: " فينا نزلت هذه الآية بني سلمة، قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان [أو ثلاثة]، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضبُ من هذا الاسم، فأنزلت [هذه] الآية: { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } ".

قال المفسرون: هو أن يقول لأخيه المسلم: يا فاسق يا منافق، أو لمن أسلم: يا يهودي، يا نصراني، يا كلب، يا حمار.

فأما الألقاب الحسنة التي لا تقتضي غيظاً [ولا] أذى ولا كذباً؛ كالصِّدّيق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وذي النورين لعثمان، وسيف الله لخالد، وأمثال ذلك، فغير مكروهة ولا منهي عنها.

قوله تعالى: { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي: بئس الاسم أن يقول: يا يهودي وقد أسلم، أو يا فاسق وهو طائع.

{ وَمَن لَّمْ يَتُبْ } عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }.