الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر. أو تقول: " محمد ": مبتدأ، " رسول الله ": عطف عليه عطف بيان، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ }: عطف عليه، { أَشِدَّآءُ } وما في حيزه: الخبر. أو تقول: " محمد ": خبر مبتدأ محذوف، أي: هو محمد. أي: الرسول الذي أرسله هو محمد.

وقرأ الشعبي وأبو رجاء وأبو المتوكل وعاصم [الجحدري]: " محمداً رسولَ الله " بالنصب فيهما. على معنى: ألزموا أو اتبعوا محمداً رسول الله.

قال ابن عباس: شهد له بالرسالة.

{ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } وقرأتُ لأبي حاتم عن يعقوب: " أشُدَّاء " بضم الشين.

قال الزجاج: أشِدَّاء: جمع شديد، والأصل: أشدِدَاء، نحو قولك: نصيب وأنْصِبَاء، ولكن الدَّالَيْن تَحرَّكَتَا فأدغمت الأولى في الثانية.

{ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } جمع رحيم. والمعنى: أنهم شداد صعاب على الكفار متراحمون فيما بينهم.

قال الحسن: [بلغ] من تشددهم على الكفار: أنهم كانوا [يتحرزون] من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمسَّ أبدانهم؛ وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صافحه [وعانقه].

ثم وصفهم بكثرة الصلاة فقال: { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } ، ثم وصفهم بالإخلاص فقال: { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } وهذا عام في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عند جمهور المفسرين.

وروي عن الحسن أنه قال: " والذين معه ": أبو بكر، " أشداء على الكفار ": عمر، " رحماء بينهم ": عثمان، " تراهم ركعاً سجداً ": علي بن أبي طالب، " يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ": طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة.

قوله تعالى: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } اختلف العلماء هل هذه السِّيما في الدنيا أم في الآخرة؟ على قولين:

أحدهما: في الدنيا.

قال ابن عباس: هو السمت الحسن.

وقال مجاهد: الخشوع والوقار والتواضع.

وقال الحسن: الصفرة.

وقال سعيد بن جبير: أثر السهر.

وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حملت جباههم من الأرض.

وقيل: السِّمَة التي تحدث في جبهة الساجد من كثرة السجود، يدل على ذلك قوله تعالى: { مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ }.

وكان كل واحد من العَلِيَّيْن: أبي الخلفاء علي بن عبد الله بن العباس، وزين العابدين علي بن الحسين بن علي، يسمى ذا الثَّفِنَات؛ لأن كثرة سجودهما أثَّرَ في جبهة كل واحد منهما أثراً يشبه ثَفِنَات البعير.

القول الثاني: أن هذه السِّيما في الآخرة.

قال عطية العوفي: هو نور يظهر على وجوههم يوم القيامة. ونحوه عن الزهري.

وقيل: هو نعتهم يوم القيامة غُرّاً مُحَجَّلين من أثر الوضوء.

قوله تعالى: { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ } أي: صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذه الصفة في التوراة.

السابقالتالي
2 3