الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

قوله تعالى: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه قبل خروجه عام الحديبية كأن قائلاً يقول له: { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } إلى قوله تعالى: { لاَ تَخَافُونَ } ، ورأى كأنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة محلّقين ومقصّرين، فأخبر أصحابه بذلك ففرحوا، فلما خرجوا عام الحديبية حسبوا أنهم يدخلون مكة ذلك العام، فلما رجعوا قال المنافقون: أين رؤياه التي رأى؟ فنزلت هذه الآية، فدخلوا في العام القابل.

والمعنى: لقد صدق الله رسوله فيما أراه في منامه.

وقوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ } متعلق بـ " صدق " أو بـ " الرؤيا " ، وهو قسمٌ باسمه الذي هو " الحق " ، واللام في " لتدخلن " جواب القسم، أو جواب قسم محذوف على الأول.

فإن قيل: إنما يستثني من يجهل العاقبة، والله تعالى علم أنهم يدخلون مكة، فما معنى قوله: { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ }؟ قلتُ: قال أبو عبيدة وابن قتيبة: " إنْ " بمعنى: " إذ ". وقد سبق القول على ذلك في سورة البقرة.

وليس بالجواب السديد.

وقيل: الاستثناء يعود إلى دخول بعضهم أو جميعهم. حكاه الماوردي.

وليس هذا القول أيضاً بشيء، ولا يندفع به الإشكال.

وحكى القاضي أبو يعلى: أنه على وجه الحكاية لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أن القائل قال: " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ".

والجواب المعتمد عليه: أن يقال: الاستثناء في مواعيد الله تعالى تأديبٌ للعباد، أو تثقيفٌ لهم، وتحضيض لهم على الاستثناء في مواعيدهم بأبلغ الطرق.

قال الزجاج: يجوز - وهو حسن - أن يكون " إن شاء الله " جرى على ما أمر الله تعالى به، [في] كل ما يُفعلُ مُتَوَقَعاً فقال تعالى:وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 23-24].

فإن قيل: معلوم قطعاً أن الله تعالى يعلم ما لا يعلمه الناس، فما معنى إخبار المسلمين بذلك؟

قلتُ: ذكَّرهم بذلك ليزدادوا استسلاماً لأقضية الله فيهم، وطمأنينة على الصبر على ما منوا به من تمكين أعراضهم، وتفويضاً إلى العالم الحكيم أزمَّة أمورهم.

والمعنى: علم ما في تأخير دخولكم مكة وصلحكم إياهم على الوجه الذي أرادوه وكرهتموه من المصالح { مَا لَمْ تَعْلَمُواْ }.

{ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } وهو فتح خيبر، في قول ابن عباس وعطاء وابن زيد ومقاتل.

أو صلح الحديبية، في قول مجاهد والزهري وابن إسحاق.

وقد سبق معنى إظهار هذا الدين على الدين كله في براءة.

قوله تعالى: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } قال الحسن: شهيداً على نفسه أنه يظهر دينك.

وقال مقاتل: المعنى: وكفى بالله شهيداً أن [محمداً صلى الله عليه وسلم] رسولُ الله.

والأول أوجه.