الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قوله تعالى: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يريد: أهل مكة، وما صنعوا عام الحديبية من صدّ المسلمين، وصدّ الهدي المقلد، وهو قوله تعالى: { وَٱلْهَدْيَ } أي: وصدّوا الهدي.

ويجوز أن يكون مفعولاً معه، أي: صدّوكم مع الهدي.

{ مَعْكُوفاً } نصب على الحال، ومعناه: محبوساً عن { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } وهو الموضع الذي يحل نحره به بطريق الأصالة. يريد: منى.

قوله تعالى: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } وهم المستضعفون بمكة { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } أي: لم تعرفوهم وقت الْتحام الحرب وتلبس بعضكم ببعض { أَن تَطَئُوهُمْ } بدل اشتمال من " رجال ".

ومعنى: " أن تطؤوهم ": تدوسهم، وهو مجاز عن إهلاكهم، كما قيل:
وَوَطِئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ    ........................
{ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } قال ابن زيد: إثم.

وقال ابن إسحاق: غرم الدية.

وقال الكلبي: كفارة قتل الخطأ.

وقيل: عيب، فيقال: قتلوا أهل دينهم.

وقوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بـ " أن تطؤوهم ".

والمعنى: ولولا [كراهة] أن تطأووا رجالاً ونساء من المؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرّة غير عالمين بهم، لما كففنا أيدكم عن أهل مكة. فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. وقيل: الجواب: " لعَذَّبْنا ".

وقوله تعالى: { لَوْ تَزَيَّلُواْ } كالتكرير لقوله: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ }؛ لأنهما يرجعان إلى معنى واحد.

وقوله تعالى: { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } تعليل لما سيقت له الآية من كفّ أيديهم عنهم، على معنى: فعل الله ذلك ليدخل في الإسلام من أهل مكة من يشاء، وهم الذين أسلموا بعد الصلح.

قال ابن عباس: " لو تزيلوا ": لو تفرقوا.

وقال ابن قتيبة والزجاج: لو تميزوا.

والمعنى: لو تميّز المسلمون من المشركين.

{ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } بأيديكم أيها المكفوفون عنهم { عَذَاباً أَلِيماً } بالقتل والسبي والأسر.

قوله تعالى: { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } يجوز أن يكون العامل في الطرف ما قبله، أي: لعذبناهم وقت جعلهم الحمية في قلوبهم. ويجوز أن يكون بإضمار: " اذكروا ".

الحمية: الأَنَفَة، وذلك أنهم قالوا: لا والله لا يدخلون علينا وقد قتلوا بالأمس آبائنا وإخواننا وأبنائنا، ولا تتحدث العرب بذلك.

{ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فلم يتداخلهم ما تداخل أولئك من الحمية، مع كونهم من سِنْخ.. نفوس أبيّة وعزة عربية، بل استسلموا واحتملوا الأذى، وأغضوا الجفون على القذى؛ طاعة لله ولرسوله.

{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } أخرج الترمذي من حديث أبيّ بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " " وألزمهم كلمة التقوى " قال: لا إله إلا الله " وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي في آخرين.

السابقالتالي
2