قوله تعالى: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يريد: أهل مكة، وما صنعوا عام الحديبية من صدّ المسلمين، وصدّ الهدي المقلد، وهو قوله تعالى: { وَٱلْهَدْيَ } أي: وصدّوا الهدي. ويجوز أن يكون مفعولاً معه، أي: صدّوكم مع الهدي. { مَعْكُوفاً } نصب على الحال، ومعناه: محبوساً عن { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } وهو الموضع الذي يحل نحره به بطريق الأصالة. يريد: منى. قوله تعالى: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } وهم المستضعفون بمكة { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } أي: لم تعرفوهم وقت الْتحام الحرب وتلبس بعضكم ببعض { أَن تَطَئُوهُمْ } بدل اشتمال من " رجال ". ومعنى: " أن تطؤوهم ": تدوسهم، وهو مجاز عن إهلاكهم، كما قيل:
وَوَطِئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ
........................
{ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } قال ابن زيد: إثم. وقال ابن إسحاق: غرم الدية. وقال الكلبي: كفارة قتل الخطأ. وقيل: عيب، فيقال: قتلوا أهل دينهم. وقوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بـ " أن تطؤوهم ". والمعنى: ولولا [كراهة] أن تطأووا رجالاً ونساء من المؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرّة غير عالمين بهم، لما كففنا أيدكم عن أهل مكة. فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. وقيل: الجواب: " لعَذَّبْنا ". وقوله تعالى: { لَوْ تَزَيَّلُواْ } كالتكرير لقوله: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ }؛ لأنهما يرجعان إلى معنى واحد. وقوله تعالى: { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } تعليل لما سيقت له الآية من كفّ أيديهم عنهم، على معنى: فعل الله ذلك ليدخل في الإسلام من أهل مكة من يشاء، وهم الذين أسلموا بعد الصلح. قال ابن عباس: " لو تزيلوا ": لو تفرقوا. وقال ابن قتيبة والزجاج: لو تميزوا. والمعنى: لو تميّز المسلمون من المشركين. { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } بأيديكم أيها المكفوفون عنهم { عَذَاباً أَلِيماً } بالقتل والسبي والأسر. قوله تعالى: { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } يجوز أن يكون العامل في الطرف ما قبله، أي: لعذبناهم وقت جعلهم الحمية في قلوبهم. ويجوز أن يكون بإضمار: " اذكروا ". الحمية: الأَنَفَة، وذلك أنهم قالوا: لا والله لا يدخلون علينا وقد قتلوا بالأمس آبائنا وإخواننا وأبنائنا، ولا تتحدث العرب بذلك. { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فلم يتداخلهم ما تداخل أولئك من الحمية، مع كونهم من سِنْخ.. نفوس أبيّة وعزة عربية، بل استسلموا واحتملوا الأذى، وأغضوا الجفون على القذى؛ طاعة لله ولرسوله. { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } أخرج الترمذي من حديث أبيّ بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " " وألزمهم كلمة التقوى " قال: لا إله إلا الله " وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي في آخرين.