الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

قوله تعالى: { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهو ما سيفتح عليهم إلى يوم [القيامة].

{ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } الإشارة إلى خيبر، في قول الأكثرين.

وقال ابن عباس في رواية عنه: هو صلح الحديبية.

{ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } قال قتادة: هم اليهود، كانوا هموا أن يغتالوا عيال المسلمين بالمدينة، فكفهم الله تعالى عن ذلك.

وقيل: هَمَّت أيضاً أسد وغطفان باغتيال عيال المسلمين.

وقيل: فكفّ أيدي أهل خيبر وأيدي حلفائهم من أسد وغطفان، وكانوا أرادوا نصرتهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا، على قول ابن عباس.

" فكفّ أيدي الناس عنكم ": أهل مكة.

{ وَلِتَكُونَ } هذه الكفة { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } عبرة لهم، يعرفون بها نعمة الله عليهم وحياطته لهم ونصره إياهم.

{ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } بصيرةً ويقيناً في الإسلام وثباتاً عليه.

قوله تعالى: { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } أي: ووعدكم أخرى، أو هو معطوف على " هذه " ، أي: فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى، أو هو منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده، وهو { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا }.

قال قتادة: فتح مكة.

وقال ابن عباس والأكثرون: فارس والروم.

" قد أحاط الله بها ": قدر عليها.

وقيل: أحاط بها علماً أنها ستكون لكم.

قوله تعالى: { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ } أي: لو قاتلكم أيها المؤمنون مشركوا قريش يوم الحديبية لولوا الأدبار، لما قذفت في قلوبهم منكم من الهيبة والرعب.

{ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } نافعاً، { وَلاَ نَصِيراً } مدافعاً.

{ سُنَّةَ ٱللَّهِ } منصوب على المصدر، أي: سَنَّ الله غلبة رسوله والمؤمنين سُنَّة، وهو قوله تعالى:كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [المجادلة: 21].

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } قال [أنس] بن مالك: هبط ثمانون رجلاً من أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلماً فأعتقهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال ابن عباس: بعث أهل مكة أربعين رجلاً أو خمسين ليطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، لعلهم يصيبون منهم أحداً، فأخذهم المسلمون فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل. فنزلت هذه الآية.

وبطن مكة: الحديبية؛ لأن بعضها مضاف إلى الحرم. قاله أنس بن مالك.

وقال السدي: هو وادي مكة.

وقيل: التنعيم.

" من بعد أن أظفركم عليهم " أي: بهم.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } قرأ أبو عمرو: " يعملون " بالياء، على معنى: بما يعمل الكفار من الصد والكفر وغيرهما. وقرأ باقي القراء العشرة: " تعملون " بالتاء، على الخطاب للجميع، لتقدم ذكرهم في قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم }.