الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }

ثم إن الله الرحيم الكريم فتح لهم باب الإنابة ولم يؤيّسهم من الخير على تقدير الاستجابة، فذلك قوله تعالى: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } وهم الذين تقدم ذكرهم، { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } فيهم أربعة أقوال:

أحدها: أنهم أهل فارس. قاله ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابن جريج في آخرين.

الثاني: أنهم فارس والروم. قاله الحسن.

وعن مجاهد كالقولين.

الثالث: أنهم هوازن وغطفان، وكان ذلك يوم حنين. قاله سعيد بن جبير وقتادة.

الرابع: أنهم بنو حنيفة، أصحاب مسيلمة الكذاب، الذين حاربهم الصدّيق. قاله الزهري والكلبي ومقاتل.

قال رافع بن خديج: كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعي أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم.

وقال بعض العلماء: لا يجوز أن [تكون] هذه الآية إلا في العرب؛ لقوله تعالى: { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } وفارس والروم إنما يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية.

وقوله تعالى: { أَوْ يُسْلِمُونَ } عطف على قوله: " تقاتلونهم " ، على معنى: حتى يكون أحد الأمرين: المقاتلة أو الإسلام.

وفي حرف أبيّ بن كعب: " أو يسلموا " بغير نون، على معنى: إلى أن يسلموا، كقول امرئ القيس:
....................   ......... أو تموتَ فَتُعْذَرَا
فصل

وفي هذه الآية حجة بالغة على صحة إمامة سيدي قريش: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأن الصدّيق رضي الله عنه هو الذي دعا إلى قتال بني حنيفة، وعمر رضي الله عنه هو الذي دعا إلى قتال فارس والروم.

{ فَإِن تُطِيعُواْ } قال ابن جريج: إن تطيعوا أبا بكر وعمر.

{ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } وهو الثناء في الدنيا والغنيمة والظهور على الأعداء.

{ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } عن طاعتهما { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسير معه إلى الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو في الدنيا: الخزي والعار، وفي الآخرة: عذاب النار.

وكذلك فعل الله تعالى بأعدائهما من الرافضة الذين ينكرون إمامتهما ولا يرون طاعتهما، جعل العار شعارهم، والذلّ دثارهم، والنار مثواهم ودارهم، فما أحقهم بإنشاد ما قيل في غيرهم:
فلوْ نظَرَ الغرابُ إلى تميمٍ   وما فيها من السَّوْءاتِ شَابَا
اللهم فاحرسنا من عرض نفاقهم كما عافيتنا من مرض نفاقهم.

قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة: فكيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ... } الآية.

قرأ نافع وابن عامر: " نُدْخِلْهُ جنات... نُعَذِّبْه " بالنون فيهما. وقرأ الباقون بالياء فيهما. ووجههما ظاهر.