الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

قوله تعالى: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: في مراكز القتال، { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أي: الزموا أو اتبعوا ضرب الرقاب، كما قال:
يا نفسُ صبراً على ما كانَ منْ مضَض   ............................
أي: الزمي صبراً.

والمعنى: إذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم، غير أنه لما كان الغالب في قتل الإنسان ضرب عنقه صار عبارة عنه وإن لم يقتل ضرب عنقه، كما في قوله:ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10] وأمثاله.

{ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } أكثرتم فيهم القتل وأغلظتموه، من الشيء الثَّخين؛ وهو الغليظ.

ويجوز أن يكون المعنى: حتى إذا أثخنتموهم بالقتل والجراح.

{ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } يريد: أسرهم لئلا يفلتوا منكم.

فالوِثاق -بفتح الواو وكسرها-: اسم ما يوثق به.

{ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } هما منصوبان بفعلين مضمرين، أي: فإما تَمُنُّون مَنّاً وإما تفدون فِدَاءً، فخُيّر بعد الأسر بين هذين الأمرين، وهما المنّ عليهم بالإطلاق أو الفداء بعِوَض.

فصل

اختلف العلماء في حكم الأسير؛ فذهب عامة أهل العلم، منهم: ابن عمر، والحسن، وعطاء، وابن سيرين، والإمامان أحمد والشافعي: إلى أن هذه الآية محكمة، وأن الإمام مُخيّر في الأسير بين القتل والاسترقاق، والمنّ والفداء، ففي أي ذلك رأى المصلحة فعل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث يوم بدر صبراً، وفادى أسارى بدر، وقتل بني قريظة، ومنَّ [عَلَى ثمامة] بن أثال الحنفي وهو أسير في يده، ولم يزل ذلك دأب الخلفاء الراشدين من بعده.

وذهب جماعة، منهم: قتادة، والضحاك، وابن جريج، والسدي: إلى أن حكمه القتل أو الاسترقاق، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، قالوا: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [الأنفال: 57]، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في سورة براءة.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد من المشركين.

وقال مجاهد: حتى لا يكون دينٌ إلا الإسلام.

وقال سعيد بن جبير: حتى يخرج المسيح عليه السلام.

وقال الفراء: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم.

فالمعنى على هذا: حتى يضع أهل الحرب أوزارهم، وهي آلتهم وسلاحهم. ومنه قول الأعشى:
وأعددتُ للحربِ أوْزَارَها   رِمَاحاً طِوَالاً وخَيْلاً ذُكُورا
وقيل: المعنى: حتى تضع أوزار المشركين بأن يسلموا ويوحدوا الله تعالى.

والأول أصح.

قوله تعالى: { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } قال الزجاج: " ذلك " في موضع رفع. المعنى: الأمر ذلك.

ويجوز أن يكون نصباً، على معنى: افعلوا ذلك. ولو يشاء الله لانتصر منهم فكفاكم أمرهم بغير قتال، ولكن شرع القتال وأمركم به { لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } فيجزي المؤمنين بالمثوبة ويجزي الكافرين بالعقوبة.

{ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قرأ أبو عمرو وحفص والمفضل عن عاصم ويعقوب: " قُتِلوا " بضم القاف وكسر التاء من غير ألف.

السابقالتالي
2