الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى: { وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } قيل: المعنى: لا يسألكم ربكم أموالكم.

وقيل: المعنى: ولا يسألكم محمد صلى الله عليه وسلم أموالكم.

والأول أظهر.

قال الماوردي: المعنى: لا يسألكم أموالكم إنما يسألكم أمواله. ويفسد هذا المعنى ما بعده.

والصحيح: أن المعنى: لا يسألكم أموالكم كلها، إنما يطلب منكم ربع عشور أموالكم.

{ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ } أي: يجهدكم بالسؤال، والإحْفَاء: المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال: أحْفَاهُ في المسألة؛ [إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح]، وأحْفَى شاربه: اسْتَأْصَلَه.

{ تَبْخَلُواْ } جواب الشرط، { وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } معطوف عليه.

وقرأ عبدالوارث عن أبي عمرو: " ويخرج " بالياء والراء. وقرئ: بالتاء، " أضغانكم " بالرفع، لإسناد الفعل إليه.

وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس بتاء مضمومة وفتح الراء، على البناء للمفعول، " أضغانكم " بالرفع.

والضمير في " ويخرج " لله عز وجل.

ويؤيده قراءة يعقوب في رواية الوليد عنه: " ونُخْرِج " بالنون وضمها.

وقيل: يخرج البخل أضغانكم.

والمعنى: ويخرج ما في قلوبكم من العداوة والحقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: { هَا أَنتُمْ } مذكور في آل عمران.

{ هَـٰؤُلاَءِ } قال الزمخشري: هو موصول، بمعنى: الذين، صلته: { تُدْعَوْنَ } ، أي: أنتم [الذين] تدعون، أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون.

ثم استأنف وصفهم، كأنهم قالوا: ما وصفنا؟ فقيل: تدعون { لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: في الجهاد. وقيل: الزكاة، كأنه قيل: الدليل على أنه لو أحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء [واضطغنتم] أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر، { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } بالنفقة في سبيل الله { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } لا يعود ضرر بخله إلا عليه. يقال: بخلت عليه وعنه.

{ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } عنكم وعن أموالكم { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } إليه.

{ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } قال قتادة: عن طاعته.

وقال مجاهد: عن كتابه.

وقال الكلبي: عن الصدقة.

{ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } على خلاف ما أنتم عليه راغبين في الإيمان والعمل الصالح.

قال مجاهد: يستبدل من سائر الناس قوماً غيركم.

قيل: هم الأنصار. وقيل: الفرس.

قال أبو هريرة: " لما نزلت: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان وقال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس ".

وقيل: هم الملائكة.

قال الزجاج: هو في اللغة -على ما أتَوَهَّمُ- فيه بُعْدٌ؛ لأنه لا يقال للملائكة قوم، إنما يقال قوم للآدميين.

وقيل: إن تولى أهل مكة استبدل الله بهم أهل المدينة.

والمعنى -والله أعلم-: وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم أطوع له منكم، كما قال تعالى:عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } [التحريم: 5] إلى آخر القصة، فلم يتولّ جميع الناس.

{ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } قال ابن جرير: في البخل والإنفاق في سبيل الله.

وقال غيره: في المعصية وترك الطاعة.

المعنى: بل يكونوا خيراً منكم.

ويروى عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " هي أحبُّ إليَّ من الدنيا. والله تعالى أعلم ".