الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال ابن عباس: نزلت في المطعمين يوم بدر.

وقال مقاتل: في اليهود.

وقيل: نزلت في بني قريظة والنضير.

{ وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } التي يرجون بها الثواب.

وقيل: وسيحبط أعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الإسلام وأهله.

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } يحتمل عندي: أن يكون هذا خطاباً للمنافقين، فتكون منتظمة في سلك ما قبلها من الآيات المساوقة في المنافقين، فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم جهراً، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول سراً كما أطعتموه جهراً، { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } من الجهاد والصلاة والصوم وغيرها من العبادات بالنفاق والكفر، فإنه لا يتقبل معهما عمل.

والذي عليه عامة المفسرين: أنها خطاب للمؤمنين.

واختلفوا في قوله: " ولا تبطلوا أعمالكم "؛ فقال الحسن: ولا تبطلوها بالمعاصي والكبائر.

وقال قتادة: الشر ينسخ الخير، والخير ينسخ الشر، والأعمال بخواتيمها.

ويروى عن حذيفة في هذه الآية أنه قال: من أتى كبيرة مما أوعد الله تعالى عليها النار حطت ما قبلها من حسناته.

وقال مقاتل: لا تبطلوها بالمن. وذلك أن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك طائعين فلنا عليك حق، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى:يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } [الحجرات: 17].

وقال ابن السائب: لا تبطلوها بالرياء والسمعة.

وهذا والذي قبله هو التفسير الصحيح.

ومن تصفح كتاب الله واستقرأ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حصل له العلم والجزم بأن الحسنات يذهبن السيئات، ولا كذلك بالعكس، فإن الحسنات لا يذهبها بعد القضاء بكونها حسنات إلا الكفر، والمن والأذى، وهذا هو الأليق بفضل الله تعالى ورحمته، والأشبه بعدله جل وعز، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام حين قال له: " أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية، فقال له عليه الصلاة والسلام: أسلمتَ على [ما] سلف لك من خير ".

فلم يجعل كفره ومعاصيه مبطلة لتلك الأعمال الصالحة الموجودة منه حال كفره.

قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: هذه الآية تدل على أن من دخل في قربة لم يجز له الخروج منها قبل إتمامها، وهذا على ظاهره في الحج، فأما الصلاة والصيام فهو على سبيل الاستحباب.

قوله تعالى: { فَلاَ تَهِنُواْ } أي: لا تضعفوا { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } وقرأ حمزة وأبو بكر: " السِّلْم " بكسر السين، أي: لا تدعو الكفار ابتداء الصلح. وقد ذكرنا السَّلم في الأنفال وغيرها.

قال قتادة: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها في طلب الموادعة.

{ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } يجوز أن تكون الواو حالية. ويجوز أن تكون إخباراً خارجاً مخرج البشارة لهم بالاستعلاء والنصر على الأعداء.

{ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } بالنصر والمعونة فهو يكفيكم أمرهم، { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }.

قال الزجاج: يُنقصكم شيئاً من ثوابكم.

وأنشد قطرب:
إن تترني من الإجارة شيئاً   لا تفتني على الصراط بحقي
وقال الزمخشري: هو من وَتَرْتُ الرجل؛ إذا [قتلت] له قتيلاً من ولد أو أخ أو حميم، أو حربته. وحقيقته: أفردته من قريبه أو ماله، من الوِتْر، وهو الفرد؛ فشَبَّهَ إضاعة عمل العامل [وتعطيل] ثوابه بوتر الواتر، وهو من فصيح الكلام. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " من فاتته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله " ، أي: أفرد عنهما [قتلاً] ونهباً.