الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } يتصفحون ما فيه من المواعظ والزواجر وأخبار ما كان ويكون، وما فيه من الدلائل بصدقك وشواهد رسالتك، { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } " أمْ " بمعنى: بل. [وهمزة التقرير] للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا [يتوصل إليها] شيء من الهدى والمواعظ. وإنما نكّر القلوب؛ لأنه أراد أم على قلوب قاسية، أو أراد: [على] بعض القلوب، وهي قلوب المنافقين. وإضافة الأقفال إليها إضافة تخصيص، أي: أقفالها المختصة بها، وهي أقفال الكفر والنفاق المبهمة التي لا يقدر على فتحها إلا الله تعالى.

قال خالد بن معدان: ما من الناس إلا من له أربعة أعين؛ عينان في وجهه لدنياه ومعيشته، وعينان في قلبه لدينه، وما وعد الله من الغيب، وما من أحد إلا ومعه شيطان مستبطن فقار ظهره عاطف عنقه على عاتقه، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه، فإذا أراد الله بعبد خيراً بصرت عيناه التي في قلبه، وما وعد الله تعالى من الغيب، وإذا أراد الله بعبد شراً طمس عليها، فذلك قوله: { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ }.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } أي: رجعوا إلى الكفر.

قال ابن عباس: هم المنافقون.

وقال قتادة ومقاتل: هم اليهود.

{ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } أي: من بعد ما وضح الحق { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } جملة من مبتدأ وخبر، وهذه الجملة خبر " إنَّ " ، كقولك: إن زيداً عَمْرو ضربه.

والمعنى: الشيطان زين لهم ركوب العظائم.

قرأ أبو عمرو وزيد عن يعقوب: " وأُمْلِيَ " بضم الهمزة وكسر اللام وياء بعد اللام مفتوحة. وقرأ [يعقوب] إلا زيداً وأبان عن عاصم كأبي عمرو، إلا أنهما سكّنا الياء. وقرأ باقي العشرة بفتح الهمزة واللام وألف بعدها.

فأبو عمرو جعله فعلاً ماضياً لم يُسَمَّ فاعله، وهو الله تعالى، بدليل قوله:وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [الأعراف: 183]، وقوله:إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [آل عمران: 178]، وقوله:فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } [الحج: 44]، وقوله:فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الرعد: 32]، ويعقوب جعله مثل قوله:وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [الأعراف: 183] فيكون إخباراً من الله عن نفسه جلَّت عظمته، على معنى: وأنا أملي لهم، والباقون جعلوه فعلاً ماضياً والفاعل هو الله تعالى؛ كما قدمنا ذكره.

وقيل: الشيطان، على معنى: سوّل لهم ومَدَّ لهم في الأماني الباطلة والآمال الخائبة، حتى ماتوا على كفرهم.

والصحيح: أن الفاعل هو الله تعالى، فيكون الوقف حَسَناً على قوله: { سَوَّلَ لَهُمْ } على اختلاف القراءات، إلا إذا قلنا: الفاعل هو الشيطان.

قوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ } قال الزجاج: الأمر ذلك، أي: ذلك الإضلال، يقول الذين ارتدوا على أدبارهم للذين كرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر.

السابقالتالي
2