قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعني: المنافقين كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعون خطبته وحديثه ولا يعون ما يقول، ولا يلقون له بالاً؛ تهاوناً منهم به. فإن قيل: " مِنْ " في قوله: " ومنهم " ما هي؟ قلتُ: " مِنْ " التي للتبعيض، أي: ومن الكفار. وقد تقدم ذكرهم في مواضع من أول السورة إلى هاهنا. أو يكون المعنى: ومن هؤلاء المحكوم عليهم المخلدون في النار من يستمع إليك. فإن قيل: هلاّ قال: ومنهم من يسمع، ليكون مطابقاً لحالهم، فإنهم كانوا يسمعون ولا يستمعون؟ قلتُ: أراد تحقيق نفاقهم وأنهم كانوا يوهمون المسلمين أنهم يشاركونهم في استماع قول النبي صلى الله عليه وسلم والإصغاء إلى ما يقوله. { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من أصحابك جرياً على عادتهم من النفاق واتهاماً لهم أنهم قوم شأنهم ضبط ما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه { مَاذَا قَالَ آنِفاً } ولهذا المعنى خصوا بسؤالهم أولي العلم. وهذان الدخلان والجواب عنهما والتقرير التالي لهما ما علمت أن أحداً من المفسرين ذكره، غير أن الإمام أبا الفرج ابن الجوزي رحمه الله قال: وفي استفهامهم قولان: أحدهما: أنهم لم [يعقلوا] ما قال. ويدل عليه باقي الآية. والثاني: أنهم قالوه استهزاء. قرأ عكرمة وحميد وابن محيصن: " أَنِفاً " بقصر الهمزة، على وزن فَعِل. وبها قرأتُ لابن كثير من رواية ابن فرح عن البزي عنه. وانتصابه على الظرف. والمعنى: ماذا قال الساعة. قال الزجاج: هو من قولك: استأنفت الشيء؛ إذا ابتدأتُه، وروضةٌ أُنُفٌ؛ [إذا] لم تُرْعَ [بعد]، أي: لها أولٌ يُرعى. والمعنى: ماذا قال في أول وقتٍ يقرُب منا. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } يريد: المؤمنين { زَادَهُمْ هُدًى } أي: زادهم الله تعالى هدى. وقيل: زادهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل: زادهم استهزاء المنافقين هدى. { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } وقرأ ابن مسعود والأعمش: " [وأعطاهم] تقواهم ". والمعنى: أعانهم عليها. وقال السدي: بَيَّن لهم ما يتقون. وقال أبو سليمان الدمشقي: أعطاهم التقوى مع الهدى، فاتقوا معصيته خوفاً من عقوبته. وقال سعيد بن جبير: المعنى: وآتاهم جزاء تقواهم. قوله تعالى: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } أي: هل ينتظرون إلا الساعة، وقوله تعالى: { أَن تَأْتِيَهُمْ } بدل اشتمال من " الساعة ". قال الزجاج: هذا من البدل المشتمل على الأول في المعنى، وهو نحو قوله:{ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } [الفتح: 25] المعنى: لولا أن تطؤؤا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات. وقرأ أبي بن كعب وأبو الأشهب وحميد: " إنْ " بكسر الهمزة، [ " تأتهم " ] بغير ياء بعد التاء، على استئناف الشرط والجزاء، والوقف على " الساعة ".