الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أي: على حجة وبرهان واضح من الله. وهو النبي صلى الله عليه وسلم، في قول أبي العالية.

أو المؤمنون، في قول الحسن.

{ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } يعني: المشركين، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } في عبادة الأوثان.

قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } مفسر في الرعد.

{ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ } قال أبو عبيدة والزجاج: غير متغير الريح.

وقال ابن قتيبة: غير متغيِّر الريح والطعم. والآجن نحوه.

وقرأ ابن كثير: " أَسِنٍ " بقصر الهمزة، وهما لغتان بمعنى واحد، وأنشد ليزيد بن معاوية:
لقدْ سَقَتْنِي رِضاباً غيرَ ذي أسنٍ   كالمسكِ [فُتَّ] على ماءِ العناقيد
وقال أبو يعلى: يقال: أَسَنَ الماء يَأْسِنُ، ويَأْسُنُ أسْناً وأُسُوناً فهو آسِن، وأسِنَ يَأْسَنُ أسَناً وهو أسِن؛ إذا تغيّر.

فمن قرأ: " آسن " على وزن فاعل، فهو اسم الفاعل من أَسَنَ يَأْسِنُ، كضَارب، من ضَرَبَ يَضْرِبُ.

ومن قرأ: " أسِن " على وزن فَعِل ، فهو من أسِنَ يَأْسَنُ كحَذِرَ ، من حَذِرَ يَحْذَرُ.

وقال مكي: من قصر جعله اسم فاعل على " فَعِل "؛ لأنه غير متعدّ إلى مفعول؛ كحَذِر، وهو قليل. ومن مَدَّ بناه على فاعل، وهو الأكثر في فَعِلَ يَفْعَلُ، نحو: جَهِلَ يَجْهَلُ فهو جاهل، وعَلِمَ يَعْلَمُ فهو عالم.

قوله تعالى: { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ } ، ثم وصفه فقال: { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } يريد: كما تتغير ألبان الدنيا، { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } سبق تفسيره في الصافات عند قوله تعالى:يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [الصافات: 45].

قال الزمخشري: قرئ بالحركات الثلاث، فالجر على صفة الخمر، والرفع على صفة الأنهار، والنصب على العلة، أي: لأجل لذة الشاربين.

قوله تعالى: { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } أي: ليس فيه عَكَر ولا كَدَر ولا شمع كعسل الدنيا. يشير بذلك إلى سلام لبن الجنة وخمرها وعسلها من الأقذاء والأكدار الملازمة لما في الدنيا من ذلك، بل هو لبن لم تشتمل عليه بطون اللقاح، وخمر لم تعصره الأقدام، وعسل لم تَجْرسه النحل.

{ وَلَهُمْ } أي: للمتقين { فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } لذنوبهم السالفة، { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ }.

قال الزجاج: المعنى: أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشياء، كمن زيّن له سوء عمله، وهو خالدٌ في النار.

وقال الفراء: أراد: من كان من أهل النعيم كمن هو خالد في النار.

وقال غيره: وقع التشبيه على ما في الضمير، يقول: أمن هو في هذه الجنة الموصوفة، كمن هو خالد في النار؛ لأن قوله: { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } يؤذن بأنهم فيها.

وقال الزمخشري: هو كلام في صورة الإثبات، ومعنى النفي والإنكار؛ لانطوائه تحت [حكم] كلام مصدر بحرف الإنكار، ودخوله في حيزه، وهو قوله: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } [محمد: 14] كأنه قيل له: [أمثل] الجنة كمن هو خالد في النار، أي: كمثل جزاء من هو خالد في النار.

السابقالتالي
2