الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

قال الزمخشري: واللام في قوله تعالى:وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } [سبأ: 43] مثلها في قوله تعالى:لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً } [الأحقاف: 11]، أي: لأجل الحق ولأجل الذين آمنوا.

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سِحْراً إلى ذكر قولهم: إن محمداً افتراه.

ومعنى الهمزة في " أم ": للإنكار والتعجب، كأنه قيل: دع هذا واسمع قولهم المستنكر المفضى منه العجب، وذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه.

{ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي: لا تقدرون على دفع عذابه عني، فكيف أفتري عليه وأتعرض لعقابه؟

{ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي: بما تقولون في القرآن { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } يشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالتكذيب، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }.

قال الزجاج لما ذكر هاهنا الغفران والرحمة: ليُعلمهم أن من أتى ما أتيتم ثم تاب فإن الله غفور رحيم به.

قوله تعالى: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة وأبو حيوة: " بَدَعاً " بفتح الدال.

فالمعنى على قراءة الأكثرين: ما كنت أول من أرسل.

والبدْع والبديع من كل شيء: مبتدأه، ومنه: البدْعة؛ لأنه قول [ما لم] يسبق إليه، و " بديع السموات ": مبتدؤها على غير مثال سبق.

والمعنى على القراءة الأخرى: ما كنت ذا بدع، على حذف المضاف.

وقيل: المعنى: ما كنت بدعاً من الرسل فآتيكم بكل ما تقترحونه وأخبرُكم بكل ما تسألون عنه من المغيبات؛ فإن الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم الله من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحي إليهم.

{ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } قرأ ابن أبي عبلة وابن يعمر: " يَفْعَلُ " بفتح الياء.

واختلفوا هل المراد نفي علمه بما يفعل به في الآخرة أم في الدنيا؟ على قولين:

أحدهما: في الآخرة، قال: ثم نزل بعدها:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2]، وقال:لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } [الفتح: 5] فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين.

الثاني: في الدنيا، ثم في ذلك قولان:

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخيل وشجر وماء، فقصّها على أصحابه فاستبشروا؛ لما كان يلحقهم من الأذى بسبب المشركين، ثم إنهم مكثوا بُرهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله! متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } يعني: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا؟ ثم قال: إنما هو شيء رأيته في منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليّ. روي ذلك كله عن ابن عباس.

وقال الحسن: ما أدري أُخْرَجُ كما أُخْرِجَ الأنبياء قبلي؟ أو أقتل كما قتلوا؟ وما أدري ما يفعل بكم أتعذبون أم تؤخرون؟ أتصدقون أم تكذبون؟.

وقال عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها؟.

وقيل: المعنى: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فيما يستقبل من الزمان، ويقدر لي ولكم في قضاياه.

وقيل: هو نفي للدراية المفصلة.