الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } وقال الزمخشري: " إنْ " نافية، أي: فيما ما مكناكم فيه، إلا أن " إنْ " أحسن في اللفظ؛ لما [فيه] مجامعة " ما " مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في " مهما ": " ما ما " فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء. ولقد أغثّ أبو الطيب في قوله:
لعمرُكَ مَا مَا بَانَ منكَ لِضَارِبِ   .........................
وما ضرّه لو [اقتدى بعذوبة] لفظ التنزيل، فقال:

لعمرك [ما إن] بان منك لضارب.

وقد جعلت " إنْ " صلة، مثلها [فيما] أنشد الأخفش:
يُرَجِّي المرءُ [ما] إنْ لا يَراهُ   وتَعْرضُ دونَ أدناهُ الخُطُوبُ
وتأولوه: ولقد مكّناهم في مثل ما مكّناكم فيه. والوجه هو الأول، ولقد جاء عليه غير آية من القرآن:هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [مريم: 74]،كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } [غافر: 82]، وهو أبلغ في التوبيخ، وأبلغ في الحث على الاعتبار.

قلتُ: والأول هو قول ابن عباس وعامة المفسرين.

قال: فإن قلتَ: بم انتصب: { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ }؟

قلتُ: بقوله: { فَمَآ أَغْنَىٰ }.

فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟

قلتُ: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته، وضربته إذا أساء؛ لأنك إذا ضربته في وقت إساءته؛ فإنما ضربته فيه [لوجود إساءته فيه]؛ إلا أن " إذ " ، و " حيث " ، غلبتا دون سائر الظروف في ذلك.

ثم هدّد كفار مكة وزاد في تخويفهم فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ } كديار ثمود، وعاد، ولوط، والمراد: أهل القرى، بدليل قوله: { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } والمعنى: { وَصَرَّفْنَا } لأهل القرى { ٱلآيَاتِ } ، جئناهم بها على ضروب مختلفة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فلم يرجعوا.

{ فَلَوْلاَ } أي فهلا { نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ } يريد: أصنامهم، فإنهم كانوا يقولون: إنها تقربنا إلى الله وتشفع لنا عنده.

قال الزمخشري: وأحد مفعولي " اتخذوا " المحذوف العائد على " الذين " ، والمفعول الثاني: " آلهة " ، و " قرباناً ": حال.

وقال المصنف: ويجوز أن يكون " قرباناً ": مفعولاً ثانياً.

قال الزمخشري: ولا يصح أن يكون " قرباناً " مفعولاً ثانياً و " آلهة " بدلاً منه؛ لفساد المعنى.

قال المصنف: ولستُ أُبْعِدُ ما نفى صحته، معللاً بفساد معناه، وإن كان الأوجه ما قاله أولاً؛ لأن المشركين اتخذوا الأصنام قرباناً واتخذوها آلهة هي القربان عندهم.

وقال صاحب الكشاف: التقدير: فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله آلهة قرباناً، فـ " قرباناً " مفعول ثان قدم على المفعول الأول، أي: آلهة ذات قربان.

{ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } غابوا عن نصرتهم { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ } أي: وذلك الاتخاذ إفكهم كذبهم وافتراؤهم.

السابقالتالي
2