قوله تعالى: { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } وقال الزمخشري: " إنْ " نافية، أي: فيما ما مكناكم فيه، إلا أن " إنْ " أحسن في اللفظ؛ لما [فيه] مجامعة " ما " مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في " مهما ": " ما ما " فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء. ولقد أغثّ أبو الطيب في قوله:
لعمرُكَ مَا مَا بَانَ منكَ لِضَارِبِ
.........................
وما ضرّه لو [اقتدى بعذوبة] لفظ التنزيل، فقال: لعمرك [ما إن] بان منك لضارب. وقد جعلت " إنْ " صلة، مثلها [فيما] أنشد الأخفش:
يُرَجِّي المرءُ [ما] إنْ لا يَراهُ
وتَعْرضُ دونَ أدناهُ الخُطُوبُ
وتأولوه: ولقد مكّناهم في مثل ما مكّناكم فيه. والوجه هو الأول، ولقد جاء عليه غير آية من القرآن:{ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [مريم: 74]،{ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } [غافر: 82]، وهو أبلغ في التوبيخ، وأبلغ في الحث على الاعتبار. قلتُ: والأول هو قول ابن عباس وعامة المفسرين. قال: فإن قلتَ: بم انتصب: { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ }؟ قلتُ: بقوله: { فَمَآ أَغْنَىٰ }. فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟ قلتُ: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته، وضربته إذا أساء؛ لأنك إذا ضربته في وقت إساءته؛ فإنما ضربته فيه [لوجود إساءته فيه]؛ إلا أن " إذ " ، و " حيث " ، غلبتا دون سائر الظروف في ذلك. ثم هدّد كفار مكة وزاد في تخويفهم فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ } كديار ثمود، وعاد، ولوط، والمراد: أهل القرى، بدليل قوله: { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } والمعنى: { وَصَرَّفْنَا } لأهل القرى { ٱلآيَاتِ } ، جئناهم بها على ضروب مختلفة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فلم يرجعوا. { فَلَوْلاَ } أي فهلا { نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ } يريد: أصنامهم، فإنهم كانوا يقولون: إنها تقربنا إلى الله وتشفع لنا عنده. قال الزمخشري: وأحد مفعولي " اتخذوا " المحذوف العائد على " الذين " ، والمفعول الثاني: " آلهة " ، و " قرباناً ": حال. وقال المصنف: ويجوز أن يكون " قرباناً ": مفعولاً ثانياً. قال الزمخشري: ولا يصح أن يكون " قرباناً " مفعولاً ثانياً و " آلهة " بدلاً منه؛ لفساد المعنى. قال المصنف: ولستُ أُبْعِدُ ما نفى صحته، معللاً بفساد معناه، وإن كان الأوجه ما قاله أولاً؛ لأن المشركين اتخذوا الأصنام قرباناً واتخذوها آلهة هي القربان عندهم. وقال صاحب الكشاف: التقدير: فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله آلهة قرباناً، فـ " قرباناً " مفعول ثان قدم على المفعول الأول، أي: آلهة ذات قربان. { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } غابوا عن نصرتهم { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ } أي: وذلك الاتخاذ إفكهم كذبهم وافتراؤهم.