الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } سبق القول على " أُفّ " في بني إسرائيل. وذكرنا اختلاف القراء فيها، ولغات العرب.

{ أَتَعِدَانِنِيۤ } وقرأتُ لأبي عمرو من رواية القزاز عن عبد الوارث عنه: بفتح نون التثنية، وهي لغة شاذة. وعلته: استثقال اجتماع نونين وكسرتين.

وروى هشام: " أتعِدَانِّي " بنون واحدة مشددة على الإدغام، تحرياً للتخفيف أيضاً، كما تحرّاه من أسقط إحدى النونين.

{ أَنْ أُخْرَجَ } أي: أُبعث وأُخرج من الأرض، { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي }.

قال مقاتل: مضت فلم يبعث منهم أحد.

وقال أبو سليمان الدمشقي: مضت القرون مكذبة بهذا.

{ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } يستصرخان الله ويستغيثانه عليه ويقولان له: { وَيْلَكَ آمِنْ } دعاء عليه بالثبور، ومقصودهما: استنقاذه من الهلكة وتحريضه على الإيمان لا حقيقة الهلاك.

{ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } وقرئ: " أنَّ " بفتح الهمزة، على معنى: آمن بأن وعد الله حق.

فصل

اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فذهب جمهور المفسرين إلى أنها نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق قبل إسلامه، وكان أبواه ألحّا عليه فيما دعواه إليه من الإيمان، فقال: أحيوا لي عبدالله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم ما يقولون.

وقال مجاهد: نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق.

وروي عن عائشة رضي الله عنها: أنها أنكرت أن تكون الآية نزلت في عبدالرحمن إنكاراً شديداً.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر البغداديان قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، حدثنا محمد، عن موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك قال: " كان مروان على الحجاز استعمله معاوية، فخطب، فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايَعَ له بعد أبيه. فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه. فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ }. فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، إلا أن الله تعالى أنزل عذري ". هذا حديث صحيح انفرد بإخراجه البخاري.

وقال محمد بن زياد وغيره: كتب معاوية إلى مروان ليبايع الناس ليزيد، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون لأبنائكم، فقال مروان: هذا الذي يقول الله فيه: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ... الآية } فسمعت عائشة رضي الله عنها بذلك، فغضبت وقالت: والله ما هو به، ولو شئتُ لسمّيته، ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله.

وقال الزجاج: قول من قال: أنها في عبد الرحمن باطل بقوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، فأعلم الله تعالى أن هؤلاء لا يؤمنون، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين [وسرواتهم].

السابقالتالي
2