الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

وما بعده مُفسّر إلى قوله تعالى: { بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً } قرأ أهل الكوفة: " إحساناً ". وقرأ الباقون: " حُسْناً ". وقد سبق القول فيه إعراباً وتفسيراً.

قوله تعالى: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } سبق ذكر اختلاف القراء فيه في سورة النساء في قوله تعالى:أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } [النساء: 9]، ونصبه على الحال. أي: ذات كُرْه، أو على أنه صفة للمصدر، أي: حملاً ذا كُرْه.

والمعنى: حملته على مشقة ووضعته على مشقة. وهذا خارج مخرج التعليل للإحسان.

قوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ } وقرأتُ ليعقوب: " وفَصْله " بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف.

ومعنى الكلام: ومدة حمله وفصاله بالفطام عن أمه { ثَلٰثُونَ شَهْراً }.

وبهذه الآية احتج علي عليه السلام وفقهاء الأمصار من بعده: على أن أقل الحمل ستة أشهر؛ لأن مدة الرضاع لمن أراد الإتمام مقدرة بحولين، فيتعين لأقل الحمل ستة أشهر.

وقال ابن إسحاق: حمله تسعة أشهر، [وفصاله] من اللبن لأحد وعشرين شهراً.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } وهو زمن اكتهاله واشتداد قوته واستحكام عقله وتمييزه، وذلك إذا أربى على الثلاثين وناهز الأربعين.

وقال ابن قتيبة: أشُدُّ الرجل غيرُ أشُدّ اليتيم؛ لأن أشد الرجل: الاكتهال والحُنْكَة -الحُنْكَة: فهم الشيء وإحكامه- وأن يشتد رأيه وعقله، وذلك ثلاثون سنة، ويقال: ثمان وثلاثون سنة. وأشد الغلام: أن يشتد خَلْقُه ويتناهى نباته.

وقد ذكرنا الأشُدّ في الأنعام ويوسف.

{ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } مُفسّر في النمل.

والمراد بالنعمة التي سأل ربه أن يوزعه شكرها: نعمة التوحيد والإسلام.

{ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } أي: وأوزعني أن أعمل صالحاً ترضاه، { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } اجعلهم محلاً ومقراً للصلاح ومظنة له.

فصل

ذهب ابن عباس وعامة المفسرين إلى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، ويؤيد ذلك تعذر إجرائها على العموم في كل إنسان؛ لأنه ليس كل من بلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني، ودعا بما أخبر الله تعالى عنه في هذه الآية.

قال علي عليه السلام: هذه الآية نزلت في أبي بكر، أسلم أبواه جميعاً.

وقال ابن عباس في رواية عطاء عنه: نزلت في أبي بكر الصديق، وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة، [فنزلوا] منزلاً فيه سِدْرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال: ذلك محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، فقال: هذا والله نبي، وما استظل أحد بعد عيسى تحتها إلا محمد نبي الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره، فلما نُبِّئَ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو ابن أربعين سنة، وأبو بكر وهو ابن ثماني وثلاثون سنة- صدَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال:

السابقالتالي
2