الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } يريد: التوراة { وَٱلْحُكْمَ } يعني: الحكمة والفقه.

وقيل: فصل الخصومات.

{ وَٱلنُّبُوَّةَ } وما في الآية سبق تفسيره في مواضع.

{ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أعطيناهم برهاناً يصدعون به بين الحق والباطل، ويفرقون به بين الحلال والحرام.

وقيل: آتيناهم العلم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته.

وما بعده سبق تفسيره فيما مضى إلى قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: صيّرناك على طريقة واضحة من أمر الدين.

وما بعده ظاهر ومُفسّر إلى قوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ } الهمزة لإنكار الحسبان { ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ } اكتسبوا { ٱلسَّيِّئَاتِ }.

قوله تعالى: { سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } قرأ حمزة والكسائي وحفص: " سواءً " بالنصب. وقرأ الباقون: بالرفع.

فمن نصب جعله المفعول الثاني " لنجعل " ، أو يكون حالاً، ويكون المفعول الثاني " لنجعلهم كالذين آمنوا ". ويجوز أن يكون من الضمير المرفوع في " كالذين آمنوا " ، وهذا الضمير يعود إلى الضمير المنصوب في " نجعلهم " في كلا الوجهين من كونه مفعولاً ثانياً، أو حالاً قد أعمل عمل الفعل، فرفع به " محياهم " ، ومن رفع جعله خبر مبتدأ متقدم، والمبتدأ: " محياهم ومماتهم " سواء.

والمراد من الآية: الإعلام بنفي المساواة بين الصالح والطالح في حياته ومماته، وذم من سوّى بينهم في ذلك.

قال إبراهيم بن الأشعث: كنتُ كثيراً ما أرى الفضيل بن عياض يردد من أول ليلته إلى آخرها هذه الآية ونظائرها: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } ، ثم يقول: يا فضيل، ليت شعري! من أي الفريقين أنت؟!.

وما بعده مُفسّر وظاهر إلى قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }.

قال مقاتل: نزلت في الحارث بن قيس السهمي.

وقد سبق تفسيره في الفرقان.

قوله تعالى: { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } قال الزجاج: أي: على ما سبق في علم الله تعالى قبل أن يخلقه أنه ضالّ. وهو معنى قول ابن عباس.

وقال مقاتل: على علم منه أنه ضالّ.

وتمام الآية مُفسّر في البقرة، والتي تليها مُفسّرة في المؤمنين إلى قوله تعالى: { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } أي: ما يُفنينا إلا مرّ الزمان واختلاف الجديدين. ولم يكن من اعتقادهم أن قبض أرواحهم بإذن الله تعالى على يد مَلَك الموت وأعوانه، ونسبتهم ذلك إلى الدهر على عادتهم في إضافة الحوادث التي تنزل بهم إليه. وإذا استقرأت أشعارهم وأخبارهم رأيناها مشحونة بذلك، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر " ، أي: فإن الله هو الذي يفعل بكم ما تنسبونه إلى الدهر.