الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } * { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

ثم عاد إلى الإخبار عن كفار قريش فقال تعالى: { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ } قال صاحب الكشاف: [فإن] قلت: كان الكلام واقعاً في الحياة الثانية لا في الموت، فهلاّ قيل: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين؟ كما قيل:إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [الأنعام: 29]؟ وما معنى قوله تعالى: { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ }؟ وما معنى ذكر الأولى؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى؟

قلتُ: معناه -والله الموفق للصواب-: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة، كما تقدمتكم موتة [قد تعقبتها] حياة، وذلك قول الله عز وجل:وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة: 28] فقالوا: { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ } يريدون: ما الموتة التي من شأنها أن تتعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية.

{ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } بمبعوثين. يقال: أنشر الله تعالى الموتى ونشرهم: إذا بعثهم. وقد سبق ذلك.

{ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } هذا من جملة تعنّتهم؛ لأنهم قد شاهدوا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ما يغنيهم عن الاحتكام عليه بالإيتاء بآبائهم، وفيه إيذان بجهلهم حيث طلبوا منه إحياء الموتى ليؤمنوا، ولو وقع ذلك لكانوا مضطرين إلى الاعتراف به، لموضع مشاهدتهم إياه، فيخرج عن حد الإيمان بالغيب، ويبطل معنى التكلف.

قوله تعالى: { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } هذا تخويف لكفار قريش. والمعنى: أهم خير في القوة والنعمة.

قال ابن عباس: أهم أشد أم قوم تُبَّع.

أخرج الإمام أحمد من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تسبوا تُبَّعاً فإنه كان قد أسلم ".

وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أدري تُبَّعاً نبياً أو غير نبي ".

وقالت عائشة رضي الله عنها: لا تسبوا تُبَّعاً فإنه كان رجلاً صالحاً، ألا ترى أن الله تعالى ذمّ قومه ولم يذمّه.

وقال قتادة: هو تُبّع بن حمير الحميري، وكان سار بالجيوش حتى حَيَّرَ الحيرة، وبنى سمرقند، وكان إذا كتب كتب: بسم الذي ملك براً وبحراً وضحاً وريحاً.

وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت.

{ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: من الأمم الخالية الكافرة. وهو مبتدأ، خبره: { أَهْلَكْنَاهُمْ }. ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر دلّ عليه " أهلكناهم ". ويجوز أن يكون مرفوعاً عطفاً على " قوم تُبَّع " ، والتقدير: أهم خير أم قوم تبع المهلكون من قبلهم.

فعلى هذا يقف على " قبلهم " ، ويكون " أهلكناهم " في تقدير: وأهلكناهم.