الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ قُلْ } يا محمد لمن افترى الكذب عليَّ ونسب الولد إليّ من العرب واليهود والنصارى: { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ }.

اختلفوا في " إنْ " على مذهبين:

أحدهما: أنها شرطية على أصلها. ثم في معنى الكلام خمسة أوجه:

أحدها: إن كان للرحمن ولد على زعمكم وفي قولكم فأنا أول الجاحدين أن لله ولداً. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

ويروى أن أعرابيين اختصما إلى ابن عباس فقال أحدهما: إن هذا كانت لي في يده أرض فَعَبَدَنيِها، فقال ابن عباس: الله أكبر، فأنا أول العابدين الجاحدين أن لله ولداً.

الثاني: إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولداً فأنا أول الموحدين الذين يعبدون الله مخالفين قولكم. وهذا قول مجاهد والزجاج.

والثالث: فأنا أول الآنفين من هذا القول.

قال ابن قتيبة: يقال: عَبِدتُ من كذا أعبَدُ عَبَداً، فأنا عَبد وعَابد. قال الفرزدق:
.........................   وأعبَدُ أن [تُهْجَى] تميم [بدارم]
أي: آنف. قاله ابن السائب وأبو عبيدة.

قال ابن جني: روينا عن [قطرب] أن العابد: العالم، والعابد: الجاحد، والعابد: الأَنِف الغضبان.

قال: ومعنى هذه الآية يحتمل كل هذه المعاني.

الرابع: " إن كان للرحمن ولد ": أن المعنى: إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عَبَدَ الله، لكني لست أول من عَبَدَ الله فلا يكون لله ولد. وهذا المعنى حكاه الواحدي عن سفيان بن عيينة.

الخامس: إن صح أن للرحمن ولد، أو ثبت ببرهان صحيح توردونه، فأنا أول من يُعظِّمُ ذلك الولد ويعبده.

وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفي الولد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد، وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. [وهذا] اختيار صاحب الكشاف.

المذهب الثاني: أنها " إنْ " النافية. قاله الحسن وقتادة وابن زيد وآخرين. فيكون المعنى: ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، أول من عَبَدَ الله وحده من هذه الأمة، أو فأنا أول الآنفين من هذا القول.

ويروى: أن النضر بن عبد الدار قال: إن الملائكة بنات الله، فنزلت هذه الآية، فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدقني. فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك ولكن قال: ما كان للرحمن ولد فإنه أول الموحدين من أهل مكة: أن لا ولد له.

ثم نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه بالآية التي تليها.

{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } في باطلهم { وَيَلْعَبُواْ } في دنياهم { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ } وقرأ جماعة، منهم أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن محيصن: " حتى يَلْقَوا " بفتح الياء وسكون اللام وفتح القاف من غير ألف، وبها قرأتُ لأبي جعفر.

السابقالتالي
2