الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } * { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } أي: لا يخفف ولا ينقص من قولهم: فَتَرَتْ عنه الحمى؛ [إذا سكت عنه قليلاً ونقص حرّها].

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد رضي الله عنه من حديث عمرو بن ميمون قال: قال عبدالله بن مسعود: " لو وعد أهل النار أن يخفف عنهم يوماً من العذاب لماتوا فرحاً ".

{ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ساكتون سكوت يأس من الفرج.

وقد ذكرنا معنى الإبلاس في سورة الأنعام.

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بالتعذيب من غير ذنب { وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } بما جنوا على أنفسهم.

{ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ } وقرأ جماعة، منهم: علي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وابن يعمر: " يا مَالِ " بحذف الكاف وكسر اللام للترخيم.

وقرأ الغنوي: " يا مَالُ " بالترخيم أيضاً، ورفع اللام.

ويروى أن ابن عباس قيل له: إن ابن مسعود قرأ: " ونادوا يا مَالِ " فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم.

وقال الزجاج: أكرهها لمخالفة المصحف.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا: أخبرنا عبدالأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ * لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَليقض علينا ربك } ".

والمعنى: سَلْهُ أن يميتنا فنستريح.

قال ابن عباس: فيجيبهم مالك بعد ألف سنة: { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ }.

قال عبدالله بن عمرو: هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك.

وقال بعضهم: الضمير في " قال " [لله] تعالى، أي: قال الله إنكم ماكثون، بدليل قوله تعالى: { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } أي: أتيناكم بالحق على ألسنة الرسل { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }.

يروى عن ابن عباس أنه قال في قوله: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ }: يريد: كلكم.

وكان الزجاج ينكر هذا، ويقول: الصحيح: أن البعض لا يكون بمعنى الكل. وقد ذكرنا مثل ذلك فيما مضى من كتابنا.

فإن قيل: إذا لم يكن المراد بالأكثر هاهنا الكل، فما معنى الآية، وإنما هذا الخطاب للكفار، وكلهم كرهوا الحق؟

قلتُ: هذا توبيخ لهم وهم في النار على كراهيتهم للحق ونفورهم منه في الدنيا.

المعنى: أتيناكم بالحق فكرهه أكثركم، وهم الذين أصروا على الكفر والأمر به؛ لأنهم أكثر من الذين آمنوا.

قوله تعالى: { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً } أي: أم أحكموا أمراً يكيدونك به يا محمد.

قال أكثر المفسرين: وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة، وقد ذكرناه في الأنفال.

وقال الفراء: المعنى: أم أبرموا أمراً ينجيهم من العذاب.

{ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } محكمون أمراً ندرأ به كيدهم.

{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ } أي: ما حدثوا به أنفسهم { وَنَجْوَاهُم } فيما بينهم { بَلَىٰ } نسمعهما ونطلع عليهما { وَرُسُلُنَا } الحفظة { لَدَيْهِمْ } عندهم { يَكْتُبُونَ } أقوالهم وأفعالهم.