قوله تعالى: { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } أطبق جمهور المفسرين أن نزول هذه الآية وما في حيزها كان بسبب قصة عبدالله بن الزبعرى ومجادلته النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى:{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98]، وقد ذكرنا قصته في آخر الأنبياء، وأن ابن الزبعرى قال: إن عيسى قد عُبِدَ من دون الله تعالى، وأن قريشاً استبشرت وتضاحكت فرحاً بفلجهم بالحجة على ظنهم. فمعنى الآية: ولما ضرب عبدالله بن الزبعرى عيسى بن مريم مثلاً وجاء ذلك به حيث عبدته النصارى إذا قومك منه يصدون، أي: من هذا المثل، " يصدون ": يصيحون ويَضِجُّون فرحين ضاحكين، من الصَّديد وهو الجلبة. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر والكسائي: " يَصُدُّون " بضم الصاد. قال الزجاج: الكسر أكثر، ومعناهما جميعاً: [يَضِجُّون]. ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يُعْرِضُون. يعني: يَصُدُّون من الصُّدود. وهو قول الأخفش وقطرب، على معنى: إذا قومك من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه. { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } قرأ أهل الكوفة: " أآلهتنا " بهمزتين محققتين بعدهما ألف، وقرأ الباقون بتحقيق الأولى وتليين الثانية، واتفقوا على ترك الفصل بينهما. والمعنى: أن آلهتنا عندك ليست خيراً من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا هيناً. { مَا ضَرَبُوهُ } أي: ما ضربوا هذا المثل { لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } لأجل الجدال، لا طلباً للتمييز بين الحق والباطل، وهو حال على معنى: ما ضربوه لك إلا جدلين؛ لأنهم قد علموا أن المراد بذلك آلهتهم. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } لك، شداد الخصومة. قوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ } يعني: عيسى { أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بالنبوة والكتاب { وَجَعَلْنَاهُ } حيث خلقناه من غير ذكر { مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } عبرة عجيبة وآية عظيمة لهم. { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ } أي: لولدنا منكم يا بني آدم بقدرتنا التي نجبل بها ما نشاء إلى ما نشاء { مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } ـكم فيها كما يخلفكم أولادكم. وفي هذا إيذان بكمال قدرة الله تعالى جلَّت عظمته وتعريض لنفي ما أثبتوه للملائكة من كونها بنات الله. وقال أكثر المفسرين: المعنى: لو نشاء لجعلنا بدلاً منكم ملائكة يخلف بعضهم بعضاً، أو يخلفونكم في الأرض.