الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

قوله تعالى: { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } أي: أمر رجالاً [فنادوا]، كما تقول: قطع الأمير السارق، وعاقب اللص، وقد أمر به. وجائز أن يكون اللعين قال ذلك رافعاً به صوته في ملأ من القبط، فأشاعوه عنه وأذاعوه، فكأنه نادى به فيهم فقال معظماً لنفسه: أليس إليَّ مُلْكُ مصر.

حكى النقاش: أنه كان يملك أربعين فرسخاً في مثلها.

ويروى: أن الرشيد رضي الله عنه مرت به هذه الآية يوماً فقال: والله لأولينها أخسّ عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وَضوئه.

{ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي } أراد: النيل، وما يتشعب منه، من ماء أجراه تحت قصوره ودوره وفي بساتينه.

ومن الأقوال [البعيدة]: ما يروى عن الضحاك أنه أراد بالأنهار: القواد والجبابرة الذين كانوا يسيرون تحت لوائه.

قال الزمخشري: ويجوز أن تكون الواو عاطفة " للأنهار " على " ملك مصر ". و " تجري " نصب على الحال منها، وأن تكون الواو للحال، واسم الإشارة مبتدأ، " الأنهار " صفة لاسم الإشارة، و " تجري " خبر للمبتدأ.

قوله تعالى: { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } " أمْ " هذه منقطعة، على معنى: بل أأنا خير، والهمزة للتقرير، كأنه لما عدّد عليهم أسباب فضله قال: قد تقرر عندكم أني أنا خير من هذا الذي هو مهين، [أي]: ضعيف حقير.

وقيل: هي متصلة؛ لأن المعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون، إلا أنه وضع قوله تعالى: { أَنَآ خَيْرٌ } موضع " تبصرون "؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير فهم عنده بُصراء.

وهذا الوجه حكاه الزجاج عن الخليل وسيبويه.

وقال الفراء وجماعة من أهل المعاني: الوقف على قوله: " أم " ، وفيه إضمار، مجازه: أفلا تبصرون أم لا تبصرون. ثم ابتدأ فقال: " أنا خير من هذا الذي هو مهين ".

{ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي: يفصح بالكلام. عَظَّمَ اللعينُ نفسه أولاً بما ذكر من ملكه وعظمة شأنه وعز سلطانه، ثم هَضَمَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم ثانياً بما افتراه عليه من المهانة ونسبه إليه من اللّكْنَة والعيّ في القول حين عجز مع قوة سلطانه وكثرة أعوانه عن معارضة آياته ومناقضة بيناته.

ثم أخذ يُموّه عليهم ويخيّل إليهم أن النبوة يلازمها المُلْك والقُدْرَة على المتَّصِف بها، فقال: { فَلَوْلاَ } أي: هلاّ { أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ } وقرأ حفص: " أسْوِرَةٌ ".

{ مِّن ذَهَبٍ } يريد: هلاّ كان مَلِكاً، وإنما قال ذلك؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل وتفويض مقاليد الملك إليه سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق من ذهب.

وقد ذكرنا في سورة الكهف ما يوضح ذلك الفرق بين " أساور " و " أسورة ".

السابقالتالي
2