الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ } أي: باليد والعصا وغيرهما من معجزاته صلى الله عليه وسلم { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } من القبط { فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فطالبوه بالبينة على دعواه وصدقه في ادعائه.

ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } أي: يهزؤون ويسخرون وينسبونه إلى السحر.

{ وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ } من الآيات التسع { إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ } أي: أعظم { مِنْ أُخْتِهَا } التي قبلها.

قال صاحب الكشاف: إن قلت: هو كلام متناقض، لأن معناه: ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كل واحدة منها، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.

قلتُ: الغرض بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل، وتتقارب منازلها فيه التقارب اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك.

فعلى هذا [بنى] الناس كلامهم، فقالوا: رأيت رجالاً بعضهم أفضل من بعض، [وربما] اختلفت آراء الرجل الواحد فيها، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك. ومنه بيت الحماسة:
منْ تَلْقَ منهمْ تَقُلْ لاقيتُ سيِّدَهُم   مثلَ النجومِ الذي يَسْري بها السَّاري
ولقد فاضلت الأنمارية بين [الكَمَلَة] من بنيها، ثم قالت - لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة [التفاوت] -: ثَكِلْتُهُم إن كنتُ أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفْرَغَة لا يُدْرَى أين طرفاها.

قوله تعالى: { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } وقرأ ابن عامر: " يا أيُّهُ الساحر " ، وقد ذكرتُ علته في سورة النور في قوله تعالى:أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [النور: 31].

فإن قيل: هذا كلام يظهر فيه التناقض؛ لأنهم خاطبوه باسم الساحر ثم سألوه الدعاء لهم معترفين بأن له رباً يقدر على كشف ما بهم، ثم أخبروه بأنهم مهتدون؟

قلتُ: قد أجاب عنه الحسن البصري فقال: هو على وجه الاستهزاء منهم.

وهو بعيد؛ لأنه لو كان ذلك على طريقة الاستهزاء [فكيف] يكشف عنهم العذاب؟ ثم قوله تعالى: { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } يفسده.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أن الساحر عندهم: الماهر في العلم، فأرادوا تعظيمه بذلك. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس.

الثاني: أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية. قاله الزجاج.

وقال ابن بحر: أرادوا: يا غالب [السحرة].

وقوله تعالى: { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } مع ما لم أذكره هاهنا مُفسّر في سورة الأعراف في قصتهم.