قوله تعالى: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } " يَعْشُ ": يُعْرِض. وقيل: يَعْمَ. رويا عن ابن عباس. والأول قول قتادة، واختيار الفراء والزجاج. وقال أبو عبيدة: يَعْشُ: تُظْلِمْ عينه. وقرأ ابن عباس: " يَعْشَ " بفتح الشين. قال الفراء: من قرأ " يَعْشُ " -يعني: قراءة الأكثرين- فمعناه: يُعْرِض، ومن نصب الشين أراد: يَعْمَى عنه. قال الزمخشري: الفرق بين القراءتين: أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل: عَشِيَ. وإذا نظر نظر العُشْيِ ولا آفة [به]، قيل: عَشَا. ونظيره: عَرِجَ، لمن به الآفة. وعَرَجَ، لمن مَشَى مِشْيَة العُرْجَان. قال الحطيئة:
متى تأْتِه تعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِه
تجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقِدِ
أي: تنظر إليها نظر العُشْي؛ لَمّا يضعف بصرك من عظيم الوقود واتساع الضوء. وهو بيّنٌ في قول حاتم:
أعْشُو إذا ما جَارَتِي بَرَزَتْ
حتى يُواري جَارَتِي الخِدْر
وقرئ: " يَعْشُوا " ، على أنّ " مَنْ " موصولة غير مضمنة معنى الشرط. وحق هذا القارئ: أن يرفع " نُقَيِّض ". وأنكر ابن قتيبة المعنى الذي ذكره الفراء وتابعه عليه الزمخشري، فقال: لا أرى القول إلا قول أبي عبيدة. قال: ولم أر أحداً يُجيز: " عَشَوْتُ عن الشيء ": أعرضتُ عنه، إنما يقال: " تَعَاشَيْتُ عن كذا " ، أي: تغافلتُ عنه، كأني لم أره، ومثله: تَعَاميتُ. والعرب تقول: " عشوتُ إلى النار ": إذا استدللتُ إليها ببصر ضعيف. قال الحطيئة:
متى تأته.............
.....................
وأنشد البيت. ومنه حديث ابن المسيب: أن إحدى عينيه ذهبت، وهو يَعْشُو بالأخرى، أي: يبصر بصراً ضعيفاً. فعلى ما ذكره الفراء يكون المعنى على قراءة الأكثرين: ومن يَتَعَامَ ويتجاهل وهو يعرف الحق. وعلى القراءة القليلة: المعنى: ومن يَعْمَ عن ذكر الرحمن، فيُعِيرُ القرآن أذناً صُمّاً، وعيناً عُمْياً { نُقَيِّضْ لَهُ }. وقرأتُ لجماعة، منهم: خلف ويعقوب: " يُقَيِّضْ له " بالياء، على معنى: يقيّض له الرحمن { شَيْطَاناً } جزاء له على فعله، { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } لا يفارقه. { وَإِنَّهُمْ } يعني: الشياطين ليصدون العَاشِين { عَنِ ٱلسَّبِيلِ } وجَمَعَ ضمير " مَنْ " والشيطان في قوله تعالى: { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ } لإبهام " مَنْ " في جنس العاشي، وإبهام الشيطان. { وَيَحْسَبُونَ } يعني: العاشين { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }. قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر: " جاءانا " بألف بعد الهمزة على التثنية، أي: العاشي وقرينه. وفي الحديث: " أنهما يُجعلان يوم البعث في سلسلة فلا يفترقان [حتى] يصيرهما الله تعالى إلى النار ". وقرأ الباقون: " جاءنا " ، أي: العاشي وحده. { قَالَ } لقرينه: { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي: بُعد ما بين المشرق والمغرب، فثنّى باسم أحدهما، كما قالوا: سيرة العُمَرين، يريدون: أبا بكر وعمر، فغُلّب عمر؛ لأنه أخفّ الاسمين.