الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

ثم إن الله عز وجل أخبر عباده بهوان الدنيا عليه وخِسّتها عنده؛ لئلا يَظنَّ ظَانٌّ أو يَتوهّم مُتوهّم أن الموسَّع عليه منها والمحظوظ فيها، كان ما ناله منها باعتبار كرامته على الله تعالى ونفاسة قدره عنده، وأن المضيَّقَ عليه فيها والمحروم منها، كان باعتبار هوانه على الله، وخِسَّة قدره عنده، فقال تعالى: { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: لولا كراهة أن يُجمعوا على الكفر إذا رأوا زهرة الحياة الدنيا ملازمة له ومقرونة به { لَّجَعَلْنَا } لهوان الدنيا علينا { لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ }. فقوله تعالى: { لِبُيُوتِهِمْ } بدل اشتمال من قوله: { لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }.

قال الفراء: إن شئت جعلت اللام في " لبيوتهم " مكررة؛ كقوله تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [البقرة: 217]، وإن شئت جعلتها بمعنى: على، كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم.

{ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بفتح السين وسكون القاف على التوحيد، ويريد الجنس. وقرأ الباقون: " سُقُفاً " بضمّهما على الجمع. تقول: سَقْف وسُقُف، مثل: رَهْن ورُهُن.

{ وَمَعَارِجَ } جمع معرج، أو اسم جمع لمعراج، والمعارج: المصاعد إلى العلالي، يريد: ومعارج أيضاً من فضة.

{ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } يعلون السقف؛ كقوله تعالى:فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ } [الكهف: 97]. { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً } أي: وجعلنا لبيوتهم أبواباً من فضة { وَسُرُراً } من فضة { عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ }.

{ وَزُخْرُفاً } أي: وجعلنا لهم زخرفاً. فهو منصوب بفعل مضمر، وإن شئت كان معطوفاً على موضع قوله تعالى: { مِّن فِضَّةٍ }.

والزُّخْرُف: الذهب. وقد سبق ذكره في قوله تعالى:أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } [الإسراء: 93].

قوله تعالى: { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } هذه " إنْ " الخفيفة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، على إضمار الشأن، تقديره: وإن الشأن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا.

وقرأ عاصم وحمزة وهشام: " لمّا " بتشديد الميم.

فعلى هذه القراءة " إنْ " هي النافية بمعنى: " ما " ، كالتي في قوله تعالى:إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } [الملك: 20]، فالمعنى: ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، و " لمّا " في معنى " إلاّ ".

وقد حكى سيبويه: نشدتك الله لمّا فعلت، وحمله على " إلاّ ". وزعموا أنّ [في] حرف أُبيّ: " وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ".

فهذا يدل على أنّ " لَمّا " بمعنى: " إلا " ، وأنّ " إنْ " بمعنى " ما ". هذا كلام أبي علي.

قوله تعالى: { وَٱلآخِرَةُ } يريد: الجنة { عِندَ رَبِّكَ } أي: في حكمه { لِلْمُتَّقِينَ } خاصة، إلا الدنيا فتكون للصالح والطالح.