الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قوله تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } هذا من اقتراحات قريش واحتكامهم على الله جَلَّت عظمته في اختيار محمد صلى الله عليه وسلم للرسالة، واختصاصه بالنبوة، وكانوا أولاً ينكرون رسالته لكونه من البشر، فلما شرقوا بالحجة وعلموا أن الرسل رجال عَدَلُوا عن ذلك إلى إنكار العدول بالرسالة عن أحد الرجلين العظيمين في نظرهم؛ تحكماً على الله تعالى.

وقولهم: " هذا القرآن " كلام يلوح منه الاستهانة به.

ومرادهم بالقريتين: مكة والطائف.

والمعنى: على رجل من إحدى القريتين، فهو كقوله تعالى:يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [الرحمن: 22].

وقيل: التقدير: من رَجُلي القريتين.

" عظيم " أي: رئيس متقدم في الدنيا.

وعظيم مكة: الوليد بن المغيرة، في قول ابن عباس وقتادة والأكثرين.

وعتبة بن ربيعة، في قول مجاهد.

وأما عظيم الطائف ففيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. قاله ابن عباس.

الثاني: أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي. قاله قتادة.

وكان الوليد بن المغيرة يسمى: [ريحانة] مكة، وكان يقول: لو كان هذا حقاً لنزل القرآن عليّ، أو على أبي مسعود الثقفي.

الثالث: أنه كنانة بن عبد عمرو الطائفي. قاله السدي.

الرابع: أنه ابن عبد ياليل. قاله مجاهد.

قال الله تعالى منكراً عليهم معجباً من احتكامهم: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } يعني: النبوة فيضعونها بجهلهم حيث شاؤوا { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } يعني: نحن قسمنا بينهم أرزاقهم ولم نَكِلَ ذلك إلى أحد، فكيف بأمر النبوة؟.

قال قتادة: إنك لتلقاه ضعيف الحيلة، عيي اللسان، قد بسط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، بسيط اللسان، وهو مقدور عليه.

{ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } هذا قوي وهذا ضعيف، وهذا حُر وهذا رقيق، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عزيز وهذا ذليل. ولم تقتض حكمتنا التسوية بينهم.

{ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } فيملك الحر الرقيق، ويستأجر الغني الفقير، ويستسخر الناس بعضهم بعضاً في أسباب معايشهم، ولو جعلناهم في القوة والغنى، والعزة وغيرها سواء؛ لم ينتظم أمر العالم.

{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } التي هي النبوة { خَيْرٌ } أفضل وأعظم { مِّمَّا يَجْمَعُونَ } من الأموال.

فإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية الدنيوية على هذه الصفة المذكورة، فما ظنهم بتدبير أمر الكتاب والنبوة، والأحكام الدينية.

والمقصود من هذا كله: [تجهيلهم] في قولهم: { لَوْلاَ نُزِّلَ... } الآية.