الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } وكذلك الاثنان والجماعة، والذكر والأنثى [يقولون: نحن البراء منك، والخلاء منك] لا يقولون: نحن البراءان منك ولا البراؤون. وإنما المعنى: أنا ذو البراء منك، ونحن ذو البراء منك، كما تقول: رجل عدل، وامرأة عدل، وقوم عدل.

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } مثل قوله تعالى في الشعراء:فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 77]، وقد تكلمنا عليه.

قال الزمخشري: " الذي فطرني " فيه غير وجه: أن يكون منصوباً على أنه استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذي فطرني فإنه سيهدين. وأن يكون مجروراً بدلاً من المجرور بـ " مِنْ "؛ كأنه قال: [إنني] براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني.

فإن قلت: كيف تجعله بدلاً وليس من جنس " ما تعبدون " من وجهين:

أحدهما: أن ذات الله تعالى مخالفة لجميع الذوات، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون.

الثاني: أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟

قلتُ: قالوا: كانوا يعبدون الله تعالى مع آلهتهم، وأن تكون " إلا " صفة بمعنى: غير، على أن " ما " في [ما] تعبدون موصوفة، تقديره: إنني براء من [آلهة] تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله تعالى:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22].

قلتُ: ما معنى قوله تعالى: { سَيَهْدِينِ } على التسويف؟

قلتُ: قال مرّة:فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78] ومرّة { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } ، فاجمع بينهما وقدر، كأنه قال: فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال.

قوله تعالى: { وَجَعَلَهَا } أي: وجعل إبراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها -وهي قوله تعالى: { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } - { كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي: في ذريته، فلا يزال فيهم من يُوحِّد الله تعالى ويدعو إلى التوحيد.

وقيل: وجعل الوصية التي أوصى بها بنيه، وهي الوصية المذكورة في البقرة:وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } [البقرة: 132].

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى التوحيد إذا علموا أن أباهم تبرَّأ من كل معبود سوى الله تعالى.

قوله تعالى: { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ } أي: أجزلتُ لقريش النِّعَم وأمهلتهم { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } وهو القرآن { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } للحق من الباطل، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

المعنى: فكان ينبغي لهم أن ينتبهوا من غفلتهم عند مجيء الحق والرسول.

{ وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } ضَمُّوا إلى شركهم وغفلتهم المعاندة، فذلك قوله تعالى: { قالوا سحر }.

قال قتادة في قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } هم اليهود والنصارى. وفيه بُعْد.