قوله تعالى: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ } قد سبق القول على " أمْ " في مواضع، والضمير في " قبله " يعود إلى الكتاب، [نسبوا] فيه إلينا ما اختلقوه علينا، { فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } بل إضراب عن أن تكون لهم حجة يتمسكون بها إلا قولهم: { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } دين وملة. وقرأ عمر بن عبدالعزيز ومجاهد: " إِمَّةٍ " بكسر الهمزة، أي: على طريقة ومقصد. وقيل: كلتا القراءتين من الأَمّ وهو القَصْد، والأمَّة: الطريقة التي تؤمّ، أي: تُقصد، كالرحلة للمرحول إليه، والإمَّة: الحالة التي يكون عليها الآمّ، وهو القاصد. وقيل: الأُمَّة: النعمة، وأنشد قول عدي بن زيد:
ثُمَّ بعدَ الفلاحِ والملكِ والأمَّـ
ـة وَارَتْهُمُ هُناكَ القبور
يريدون: وجدنا آباءنا على نعمة وحالة حسنة مرضية فسلكنا طريقهم. { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } " إنّ " واسمها وخبرها والظرف صلة لـ " مهتدون ". ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر. ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم على طريقة من قبلهم في الاقتداء بالآباء، فقال تعالى: { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ... الآية } ومعنى: " مقتدون ": مُتَّبِعُون. { قَٰلَ } لهم يا محمد: { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ }. وقرأ ابن عامر وحفص: { قال أَوَلَوْ } على الخبر { جئتكم }. وقرأ أبو جعفر: " جئناكم " على الجمع، { بِأَهْدَىٰ } أو بدين أهدى { مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ }. والجواب محذوف، تقديره: أتتبعون آباءكم وتَدَعُون الذين هو أهدى. قال مقاتل: فردوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله تعالى: { قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون }. ثم عاد إلى ذكر الأمم الخالية والإخبار عنهم، فقال: { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } بالكتب والرسل.