الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }

قوله تعالى: { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } سبق تفسير " حم " في أول آل حم، وتفسير " الكتاب المبين " في أول سورة يوسف.

وهذا قسمٌ جوابه: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ }.

قال مجاهد: أوحيناه.

وقال السدي: أنزلناه { قُرْآناً عَرَبِيّاً }.

وقيل: صَيَّرناه، ولذلك تعدى إلى مفعولين.

فإن قيل: إنما يُقْسَمُ على الشيء إذا كان في مظنة الخفاء، وكون هذا القرآن عربياً لا يفتقر في تقريره وتحقيقه إلى قَسَم؛ لأنه لا ينكر؟

قلتُ: لم يقسم على كون القرآن عربياً فقط، إنما أقسم على كونه قرآناً، ثم وصفه بكونه عربياً امتناناً عليهم بإنزاله بلسانهم، إرادةَ أن يعقلوه ويفهموه، ألا تراه أتبع ذلك بقوله: { وَإِنَّهُ } يعني: القرآن.

وقال ابن جريج: ما يكون من الخلق من طاعة أو معصية أو إيمان أو كفر.

والأول أصح.

{ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } أي: في أصله، وهو اللوح المحفوظ، كما قال في موضع آخر:بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [البروج: 21-22].

{ لَدَيْنَا } أي: عندنا { لَعَلِيٌّ } رفيع الشأن { حَكِيمٌ } محكم بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، أو حكيم ذو حكمة وبلاغة.

قوله تعالى: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } قال ابن قتيبة: أفنمسك عنكم، فلا نذكركم؟

" صفحاً ": أي إعراضاً. يقال: صَفَحْتُ عن فلان؛ إذا أعرضت عنه. والأصل في ذلك: أن تُولِّيَه صفحة عنقك. قال كُثيّر يصف امرأة:
صَفُوحاً فَمَا تَلْقَاكَ إلا بَخِيلةً   فمنْ مَلَّ منْها ذلكَ الوصلَ مَلَّتِ
أي: معرضة بوجهها، يقال: ضربت عن فلان كذا؛ إذا أمسكته، وأضربت عنه.

وقال الزمخشري: الفاء للعطف على محذوف، تقديره: [أنُهْمِلُكُم] فنضربَ عنكم الذكر إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما تقدم. و " صَفْحاً " مصدر، من صفح عنه: إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له، على معنى: أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به، إعراضاً عنكم؟.

قرأ نافع وحمزة والكسائي: " إن كنتم قوماً مسرفين " بكسر الهمزة، وفتحها الباقون.

وقال أبو علي: من كسر الألف جعل " إنْ " شرطاً، واستُغْنيَ عن جوابه بما تقدَّمه، ومن فتحها فالمعنى: لأن كنتم، فموضع " أنْ " نصب على أنه مفعول له.

قال قتادة: المعنى: أفنمسك عن إنزال القرآن من أجل أنكم لا تؤمنون؟.

قوله تعالى: { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } يشير إلى كثرة الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم.

{ وَمَا يَأْتِيهِم } حكاية حال ماضية، على معنى: وما كان يأتيهم { مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.

ثم خَوَّفَ كفار قريش فقال: { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } قوة { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: سبق وصفُ عقابهم فيما أنزلناه عليك.

وقيل: سبق تشبيه حال أولئك بهؤلاء في التكذيب، فسَتَقَعُ بينهم المشابهة في الإهلاك.