الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

ثم أبان عن جهل كفار قريش، حين أقروا بأن العزيز العليم خالق السماوات والأرض، وهم مع ذلك يعبدون الحجارة، فقال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ.. } الآية.

والتي تليها مُفسّرة في سورة طه.

والمعنى: لعلكم تهتدون بالسبل في طرقكم وأسفاركم، أو: لعلكم تهتدون إلى معرفة المُنْعِم عليكم. وهو قول سعيد بن جبير.

وقيل: لعلكم تهتدون إلى معايشكم.

{ وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } مُفسّر في سورة الحجر.

قال ابن عباس: يريد أنه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قَدَر فأغرقهم، بل هو بقَدَر ليكون نافعاً.

{ فَأَنشَرْنَا } أحيينا { بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } ، { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } مُفسّر فيما مضى.

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر بخلاف عنه: [ " تَخرُجُون " ] بفتح [التاء] وضم الراء، وقرأ الباقون بالعكس من ذلك.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } يعني: أصناف الحيوان من ذكر وأنثى.

وقال سعيد بن جبير: يعني: الأصناف كلها.

قال الحسن البصري: الشتاء والصيف، والليل والنهار، والشمس والقمر، والجنة والنار.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ } وهي السفن { وَٱلأَنْعَامِ } يريد: الإبل { مَا تَرْكَبُونَ } أي: تركبونه.

{ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } قال أبو عبيدة: هاء التذكير في " ظهوره " لـ: " ما ".

قال الزمخشري: على ظهور ما تركبون، وهو الفُلْكُ والأنعام.

{ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } بالتسخير والتيسير { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ } ذِكْراً وشُكْراً: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }.

قال ابن عباس ومجاهد: مطيقين.

قال ابن قتيبة وغيره: يقال: أنا مُقْرِن لك؛ أي: مطيق لك، ويقال: هو من قولهم: أنا قِرْن لفلان؛ إذا كنت مثله في الشدة، فإذا قلت: أنا قَرْن فلان -بفتح القاف-، فمعناه أن تكون مثله في السنّ. قال ابن هَرْمَة:
وأقْرَنْتُ ما حَمَّلتني ولَقَلَّمَا   يُطاقُ احتمالُ الصَّدِّ يا دَعْدُ والهَجْر
{ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أي: راجعون في الآخرة.

سَنَّ الله تعالى لراكب الفُلْكِ والإبل قولَ هذا، بعد ذكر النعمة وشكرها، وتنزيه المنعم بها، والاعتراف بالعجز عن الاستيلاء عليها، لولا تسخيره جَلّت عظمته؛ لأنها حالة لا يؤمن فيها التلف، خصوصاً راكب البحر.

ولقد قيل لبعضهم بعد خروجه من البحر: ما أعجب ما رأيت فيه؟ قال: سلامتي.

فينبغي للمتلبس بهذه الحالة استذكار الآخرة والاستعداد لها، فليجتلب ما ينجيه؛ من طاعة الله، ويجتنب ما يرديه من معصيته، ولا يتخذ ذلك مقراً لفسقه ولهوه، كعادة أكثر ملوك زماننا وأتباعهم وأضرابهم، يشربون الخمور، وتضرب لهم القيان بالمعازف على صهوات الخيل، وفي البحور، لا يرجون لله تعالى وقاراً، ولا يعرفون نعم الله عليهم، ولا يخشون هجوم الموت وهم في مثل هذه الحالة، التي هلك بسببها خلق كثير، ما ذاك إلا استيلاء الغفلة على قلوبهم، وقلة المبالاة بأمر آخرتهم.

السابقالتالي
2