الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } قال الزمخشري: الكاف مفعول به لـ " أوحينا ". و " قرآناً عربياً " حال من المفعول به، أي: [أوحيناه] إليك، وهو قرآن عربي بيِّن، لا لَبْسَ فيه عليك، لتفهم ما يقال لك، ولا تتجاوز حد الإنذار.

ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر " أوحينا " ، أي: ومثلُ ذلك الإيحاء البيِّن المُفْهم أوحينا إليك قرآناً عربياً بلسانك { لِّتُنذِرَ }. يقال: أنذرته كذا وأنذرته بكذا. وقد عَدَّى الأول، أعني: " لتنذر أم القرى " إلى المفعول الأول، والثاني وهو قوله تعالى: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } إلى المفعول الثاني.

{ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } مكة، والمراد: لتنذر أهلها، { وَمَنْ حَوْلَهَا } في موضع نصب.

{ وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } وهو يوم القيامة، سمي بذلك لاجتماع الأولين والآخرين فيه. وفيه أقوال غير ذلك ذكرتها عند قوله تعالى:لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15] في حم المؤمن.

{ لاَ رَيْبَ فِيهِ } مُفسَّر في أول سورة البقرة.

ثم أخبر الله تعالى عن حال المجموعين فيه فقال: { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ }.

أخرج الإمام أحمد من حديث شفي الأصبحي، عن عبدالله بن عمرو قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضاً على كفَّيه ومعه كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله، فقال: الذي في يدي اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم، عدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام، إذ هم في الطينة منجدلون، فليس يزاد فيهم ولا ينقص منهم، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة. ثم قال للذي في يساره: هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم، وعدتهم قبل أن يستقروا نطفاً في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفاً في الأرحام، إذ هم في الطينة منجدلون، وليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم، إجمال من الله تعالى عليهم إلى يوم القيامة. فقال عبدالله بن عمرو: ففيم العمل إذاً؟ فقال: اعملوا، وسددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال تعالى: { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } ".

وفي لفظ آخر: " فرغ [ربكم] من العباد؛ فريق في الجنة وفريق في السعير ".

ثم أخبر الله تعالى أن افتراقهم الموجب لتفرقهم فرقتين في الجنة والسعير بمشيئته، فقال تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: جماعة متفقة على دين الإسلام؛ كقوله تعالى:لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [الأنعام: 35].

{ وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } قال أنس [بن] مالك: في الإسلام.

{ وَٱلظَّالِمُونَ } وهم الكافرون { مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.