الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ } سبب نزولها: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً [صادقاً] كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم: لم ينظر موسى إلى الله، ونزلت هذه الآية.

ومعنى الآية: ما صلح لبشر { أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ } إلا على أحد أوجه ثلاثة:

{ إِلاَّ وَحْياً } في المنام، أو بطريق الإلهام، كما أوحى إلى إبراهيم في ذبح ولده، وإلى أم موسى بما قذف في قلبها، ومنه قول عبيد بن الأبرص:
وأوْحَى إليَّ اللهُ أنْ قَدْ تَأمَّرُوا   بإبل أبي أوفى فَقُمْتُ عَلَى رِجْلِ
أي: ألهمني وقذف في قلبي.

{ أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } وهو أن يسمع كلامه ولا يراه، كما كَلَّمَ الله تعالى موسى. وهذا الوجه الثاني.

{ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } من ملائكته، إما جبريل أو غيره إلى من اختصه بالنبوة واختاره للرسالة، وجبريل أمين الوحي، وهو صاحبه الملازم له. وهذا الوجه الثالث.

قرأ نافع: " أو يرسلُ " بالرفع، { فَيُوحِيَ } بسكون الياء، على الاستئناف والقطع مما قبله، أو على إضمار مبتدأ، تقديره: وهو يرسل.

وقال أبو علي: " يرسل " فعل مضارع قد وقع موقع الحال، والتقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو إرسالاً، " فإرسالاً " معطوف على " وحياً " الذي هو مصدر في موضع الحال.

وقرأ الباقون " يرسلَ " ، " فيوحيَ " بالنصب فيهما، حملاً على معنى المصدر؛ لأن قوله: " إلا وحياً " معناه: إلا أن يوحي، فيعطف " أو يرسل " على أن يوحي.

فإن قيل: هل يجوز أن يكون معطوفاً على " أن يكلمه الله "؟

قلتُ: كلا؛ لأن معناه على هذا التقدير: وما كان لبشر أن يرسل رسولاً، أو أن يرسله الله رسولاً. والمعنيان فاسدان.

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } أي: وكما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك روحاً، وهو القرآن، وسائر ما أوحيناه إليه سمي روحاً؛ لأنه حياة القلوب.

قال مقاتل: وحياً بأمرنا.

{ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } قال ابن قتيبة ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأكثر المحققين: ما كنت تدري ما القرآن وشرائع الإيمان، فإن شرائع الإيمان تسمى إيماناً. قال الله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143] يريد: صلاتكم.

ولا بد من هذا التقدير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرك بالله طرفة عين، ولا جهلَ التوحيد.

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل ما ذبح على النُّصُب.

{ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي } يريد: الكتاب والإيمان.

{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ } أي: [إنك لترشد] وتدعو { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

قوله تعالى: { صِرَاطِ ٱللَّهِ } بدل من الأول.

وقد فَسَّرناٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] في الفاتحة.

قوله تعالى: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } إيذان بالبعث وتنبيه على الجزاء. والله تعالى أعلم.