الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }

قوله تعالى: { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: " يَنْفَطِرْنَ " بالنون وتخفيف الطاء وكسرها. وقرأ الباقون: " يَتَفَطَّرْن " بتاء مفتوحة مع تشديد الطاء وفتحها.

وقد ذكر في آخر مريم " تكاد ".

والمعنى: تكاد السموات يتفطرن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه.

واستدل الزجاج على صحة هذا المعنى بقوله تعالى:وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } [الشورى: 4]، وهذا معنى قول الضحاك وجمهور المفسرين.

وقيل: المعنى: يكدن يتفطرن من عظمة من فوقهن من العرش والكرسي والملائكة الصافين والحافين من حول العرش، لهم زجل التسبيح والتهليل والتقديس إلى غير ذلك، مما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من الملكوت العلوي.

وقال ابن عباس: المعنى: تكاد السموات كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها من قول المشركين: اتخذ الله ولداً، فتكون نظيرَ الآية التي في أواخر مريم.

قال الزمخشري: لما جاءت كلمة الكفر من الذين تحت السموات، كان القياس [أن] يقال: ينفطرن من جهتهن، أي: من الجهة التي منها جاءت الكلمة، ولكن بولغ في ذلك، فجُعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يَكَدْنَ ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهن. هذا خلاصة ما ذكره المفسرون.

ويجوز أن يكون الضمير في قوله تعالى: { مِن فَوْقِهِنَّ } راجعة إلى الأرضين. وقد تقدم ذكرها في قوله تعالى:مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 4]، وهو الذي أشار إليه الزمخشري.

قوله تعالى: { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي: يُصَلُّون. وقيل: يُنَزِّهُون الله تعالى ويُعَظِّمُونه.

{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } قال ابن السائب وغيره: سببُ استغفار الملائكة لمن في الأرض: أن الملائكة لما رأت المَلَكَين [اللذين اختُبرا] وبُعثا إلى الأرض [ليحكما بينهم]، فافتتنا بالزهرة -على ما حكيناه في البقرة-، فأتيا إدريس، وهو جد أبي نوح عليهما السلام فسألاه أن يدعو الله لهما، سبَّحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم.

والذي يقتضيه البحث الصحيح: أنه من العام الذي يراد به الخصوص، وأن استغفارهم للمؤمنين خاصة، بدليل قوله تعالى في موضع آخر:وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [غافر: 7]، وقوله تعالى حاكياً عنهم:فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } [غافر: 7].

ثم إن الله تعالى قد أخبر أن الملائكة يَلْعَنون الكفار في قوله تعالى:أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ } [البقرة: 161] فكيف تتوارد اللعنة والاستغفار على محل واحد؟ وهذا قول الضحاك والسدي.

وزعم مقاتل: أن هذه الآية منسوخة بالآية المخصوصة.

وليس هذا بشيء.

وزعم ابن السائب: أن المراد باستغفارهم لمن في الأرض: سؤال الرزق لهم.

وقال صاحب الكشاف: يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار: طلب الحلم والغفران في قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ }

السابقالتالي
2