الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }

وما بعده مُفسّر إلى قوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } أي: ومن عجائب مخلوقاته الجواري.

أثبت الياء في الحالين: ابن كثير ويعقوب، ووافقهما في الوصل: نافع وأبو جعفر وأبو عمرو، وحذفها باقي العشرة في الحالين. وقد أشرنا إلى علة ذلك فيما مضى.

والمراد بالجواري: السُّفُن، واحدتها: جارية، وهي السائرة في البحر.

" كالأعلام ": وهي الجبال، واحدها: عَلَم.

قال الخليل: كل موضع مرتفع عند العرب فهو عَلَم.

قالت الخنساء:
وإنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهداةُ به   كأنهُ عَلَمٌ في رأسه نَارُ
{ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } يريد: جنس الرياح.

وفي قراءة أبي جعفر ونافع: " الرياح " على الجمع.

{ فَيَظْلَلْنَ } يعني: الجواري { رَوَاكِدَ } ثوابت { عَلَىٰ ظَهْرِهِ } أي: على ظهر البحر واقفات لا يجرين.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ } على البلاء { شَكُورٍ } على النعماء.

{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ } يهلكهن { بِمَا كَسَبُوا } بسبب ما كسبوا من الذنوب { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ }.

قوله تعالى: { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } قرأ نافع وابن عامر: " ويعلمُ " بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب.

فمن رفع؛ فعلى الاستئناف حيث كان بعد الجزاء، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف.

ومن نصب؛ قال الزمخشري: عطف على تعليل محذوف، تقديره: ولينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون، ونحوه قوله تعالى:وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } [مريم: 21].

وقال مكي رحمه الله: من نصب فعلى الصرف. ومعنى الصرف: أنه لما كان قبله شرط وجواب، وعطف " ويعْلَمَ " عليه لا يحسن في المعنى؛ لأن علم الله تعالى واجب، وما قبله غير واجب، فلم يحسن الجزم في " يعلم " على العطف على الشرط وجوابه، لأنه يصير المعنى: وإن يشأ يعلم، فلما امتنع العطف عليه على لفظه، عطف على مصدره، والمصدر اسم، فلم يمكن عطف فعل على اسم، فأضمر " أن " ليكون مع الفعل اسماً، فيعطف اسماً على اسم، فانتصب الفعل بـ " أن " المضمرة، فالعطف مصروف عن لفظ الشرط إلى معناه، فلذلك قيل: نُصِبَ على الظرف، وعلى هذا أجازوا: إن تأتني وتعطيَني أُكرمْك، فنصبوا " تعطيني " على الصرف؛ لأنه صرف عن العطف على " تأتني " ، فعطف على مصدره، فأضمرت " أن " لتكون مع الفعل مصدراً، فيعطف اسم على اسم، ولو عطف على " تأتني " كان المعنى: إن تأتني وإن تعطي أكرمك. فبوقوع أحد الفعلين يقع الإكرام إذا جزمت، وعطفتَ على لفظ " تأتني " ، ولم يرد المتكلم هذا، إنما أراد: إذا اجتمع الأمران منكَ وقع مني الإكرام، فالتقدير: إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك.

ومعنى الآية: ويعلم الذين يجادلون في آيتنا ويخاصمون فيها بالباطل عند إحاطة الهلاك والغرق بهم.

وقيل: يعلمون بعد البعث.

{ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي: مهرب ومَعْدِل.