الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ }

قوله تعالى: { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } يجوز أن يكون محمولاً على المضاف فيكون مرفوعاً، أو المضاف إليه فيكون مجروراً.

فإن قيل: الدواب في الأرض فكيف قال: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا }؟

قلتُ: هو مثل قوله تعالى:يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح، وسِرُّ ذلك: أن الشيء يجوز أن ينسب إلى جملته هو ملتبس [ببعضها]، كقوله عليه الصلاة والسلام: " ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل " ، ومعلوم أن خزاعة لم يتمالؤوا على قتل الهذلي، وإنما قتله بعضهم.

ومثله قول بعض بني هاشم:
وعند غني قطرة من دمائنا   وفي أسد أخرى تعدّ وتذكر
وقال بعض أهل العلم: يجوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشي مع الطيران، فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي. ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في السموات حيواناً يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض.

{ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } بعد تمزقهم وتمزق أشعارهم وأبشارهم { إذا يشاء قدير }.

قال الزمخشري: " إذا " تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي، قال الله تعالى:وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [الليل: 1]، ومنه: { إِذَا يَشَآءُ } ، وقال الشاعر:
وإذا ما أشاء أبعث منها   آخر الليل ناشطاً [مذعورا]
قوله تعالى: { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } قرأ نافع وابن عامر: " بما كسبت " بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون " فبما كسبت " بالفاء، وكذلك هي في سائر المصاحف.

قال الزجاج: وهي أجود.

قال أبو علي: اعلم أن " ما " من قوله: { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ } يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون شرطاً، ويكون قوله تعالى: { أَصَـٰبَكُمْ } في موضع جزم بالشرط، فمن قدرها هذا التقدير لم يجز عنده حذف الفاء من قوله تعالى: { فَبِمَا كَسَبَتْ } على قول سيبويه، وغيره يجيز ذلك، ويستدل عليه بقوله تعالى:وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121].

والآخر: أن يكون " ما " بمعنى: الذي، ويكون " أصابكم " صلة " ما ". فمن قدر " ما " هذا التقدير فإثبات الفاء وحذفها جائزان على معنيين مختلفين، أما إذا ثبتت الفاء ففي إثباتها دليل على أن الأمر الثاني وجب بالأول، وذلك نحو قوله تعالى:ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [البقرة: 274]، ثم قال تعالى:فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } [البقرة: 274] فثبات الفاء يدل على أن وجوب الأجر إنما [هو] من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله تعالى:وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53]، وإذا لم تذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأول، وجاز أن يكون لغيره.

قال: والأولى إذا كان جزاءً غير جازم -يعني: أن تكون " ما " بمعنى: الذي- أن تثبت الفاء؛ كقوله تعالى:

السابقالتالي
2