قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } مُفسّر في سورة براءة. { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " تفعلون " بالتاء، على الخطاب لجميع المكلفين. وقرأ الباقون بالياء، حملاً على ما قبله من الغيبة. قوله تعالى: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي: يستجيب لهم، فحذف اللام، كما [حذف] في قوله تعالى:{ وَإِذَا كَالُوهُمْ } [المطففين: 3]. أو يكون المعنى: ويستجيب دعاء الذين آمنوا. قال ابن عباس في قوله تعالى: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال: يشفعهم في إخوانهم، { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } قال: يشفعهم في إخوان إخوانهم. وقيل: المعنى: ويستجيب الذين آمنوا لله بالطاعة، جعلوا الفعل للمؤمنين. وهو قول بعيد؛ لأن ما قبله وبعده خبر عن الله تعالى. قوله تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ } قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها، فأنزل الله تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ... الآية }. والمعنى: لو وسع عليهم فيه لطغوا وتطاول بعضهم على بعض. وشاهدُ صحةِ ذلك ما عُرف وأُلف من أحوال ذوي البسطة في المال والقدرة. وقيل: هو من البغي الذي هو بمعنى الكبر، أي: لتكبروا في الأرض وراموا العلو فيها. قال ابن عباس: بغيُهم طلبُهم منزلة بعد منزلة، ودابة بعد دابة، ومركباً بعد مركب، وملبساً بعد ملبس. قال بعض السلف: لو رزق الله تعالى العباد بغير كسب لطغوا وبغوا وسعوا في الأرض فساداً، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمةً منه وامتناناً. { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } أي: ينزل أرزاقهم بمقدار تقتضيه حكمته وعلمه. { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } فهو يعلم ما فيه صلاحهم وفسادهم. فإن قيل: نرى البغي موجوداً في الأرض بدون البسط في الرزق؟ قلتُ: لعمري إنه لموجود، لكنه لو بسط لهم الرزق لتضاعف البغي بتضاعفه، فكأن عدم البسط مقللاً لا مزيلاً بالكلية. قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } قرأ نافع وعاصم وابن عامر: " يُنَزِّلُ " بالتشديد. وقرأ الباقون بالتخفيف. وقد سبق ذكره. " من بعد ما قنطوا ": أيسوا منه. { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } قال السدي: المطر. ويؤيد ذلك قوله تعالى:{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [الأعراف: 57]. قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أجدبت الأرض وقنط الناس؟ قال: مطرتم إذاً، ثم قال: { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ }. وهذا المعنى قول عامة المفسرين. وحكى أبو سليمان الدمشقي: أن الرحمة: الشمس بعد المطر. { وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } الذي يتولى عباده بإحسانه، الحميد المحمود على ذلك.