وما بعده مُفسّر إلى قوله تعالى: { شَرَعَ لَكُم } أي: بيّن وأوضح لكم { مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً }. قال قتادة: من تحليل الحلال وتحريم الحرام. قال الحكم: تحريم البنات والأمهات والأخوات. وقيل: التوحيد. وقال مجاهد: لم يبعث الله نبياً إلا وصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإقرار لله تعالى بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم. وهذا المعنى يروى عن ابن عباس. وقيل: هو قوله تعالى: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ }. وفي هذه الآية مستدل لمن يرى أن ما لم ينسخ من شرع من قبلنا شرع لنا. قوله تعالى: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } في محل النصب على البدل من مفعول " شَرَعَ " ، أو في موضع الرفع، كأنه قيل: ما ذلك المشروع؟ فقال: هو إقامة الدين، ونحوه:{ نَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [الأنبياء: 92]. { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: عَظُمَ عليهم { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من التوحيد ورفض الأنداد. { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ } الضمير راجع إلى " الدين ". والمعنى: الله يصطفي ويختار لدينه من شاء. ورأيت في بعض التفاسير: أنهم الذين ولدوا في الإسلام. { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ } يرشد إلى دينه { مَن يُنِيبُ } يقبل إليه من أهل الكفر. ثم ذمّ أهل الكتاب بكفرهم وظلمهم بعد إيمانهم وعلمهم فقال: { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أن الفُرْقة ضلال وفساد. وقيل: " من بعد ما جاءهم العلم ": وهو نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته. { بَغْياً بَيْنَهُمْ } قال الزجاج: فعلوا ذلك بغياً بينهم، أي: للبغي. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } وهو عِدَتُهُم بتأخيرهم إلى يوم القيامة، وذلك في قوله تعالى:{ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [القمر: 46]. { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } قضاء فصل بإنزال العذاب. { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ } من اليهود والنصارى { مِن بَعْدِهِمْ } أي: من بعد الرسل. وقيل: " الذين أورثوا الكتاب ": هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من بعد إسلامهم. وقيل: " الذين أورثوا الكتاب ": هم المشركون، والكتاب: القرآن. " من بعدهم " أي: من بعد أهل الكتاب. { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أي: من الكتاب. وهو القرآن، على الأقوال كلها، أو التوراة، على القولين الأولين. وقيل: لفي شك من محمد صلى الله عليه وسلم.