الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

قوله تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ } الهمزة للإنكار، والفاء في { فَٱللَّهُ } جوابُ شرطٍ مقدرٍ، أي: إن أرادوا ولياً حقيقاً بالولاية { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } لا ما تولوه.

وقال ابن عباس: فالله وليك يا محمد وولي من اتبعك.

وفي قوله تعالى: { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } حَضٌّ لهم على إفراد الله سبحانه وتعالى بالولاية؛ لاختصاصه بالقدرة، وتخويفٌ لهم من اتخاذهم أولياء من دونه، بما يستلزم إحياء الموتى من الحساب والجزاء على الأقوال والأعمال.

قوله تعالى: { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } أي: من شيء من أمر الدين أو من غيره { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } تعالى.

قال مقاتل: هو يحكم فيه.

قوله تعالى: { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي } " ذلكم ": مبتدأ، " الله ": عطف بيان، " ربي ": نعت له، والخبر: قوله تعالى: { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }.

قوله تعالى: { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أو بدل، أو نعت، أو مبتدأ خبره: { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً }.

وقرئ شاذاً: " فاطرِ " بالجر، على معنى: فحكمه إلى الله فاطر السموات، وما بين الصفة والموصوف اعتراض.

{ جَعَلَ لَكُم } أي: خلق لكم { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي: من جنسكم من بني آدم { أَزْوَاجاً } ، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: يعني: نساء، { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أصنافاً، ذكوراً وإناثاً.

قال الزجاج: المعنى: خلق الذكر والأنثى من الحيوان كلّه.

وقال صاحب الكشاف: المعنى: وخلق من الأنعام أزواجاً. ومعناه: وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً.

ويجوز عندي أن يكون المعنى: وجعل لكم يا بني آدم أزواجاً من جنسكم، وجعل لكم أيضاً من الأنعام أزواجاً، ذكوراً وإناثاً يتناسلون لأكلكم ولركوبكم، ولغير ذلك من أنواع الانتفاع المتعلق بها. ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى:خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29].

ولأنه لو أراد المعنى الذي ذكره صاحب الكشاف لما اقتصر على بهيمة الأنعام؛ لأن جميع الحيوانات قد خلق الله تعالى لها من أنفسها أزواجاً، بل أراد الامتنان على عباده بما خلق لهم من الأزواج من جنسهم للسكون وغيره، ومن بهيمة الأنعام للأكل والركوب وغيرهما.

{ يَذْرَؤُكُمْ } قال الفراء وغيره: يُكَثِّركم. يقال: ذرأ الله تعالى الخلق: بَثَّهم وكثَّرهم.

قال الزجاج: يُكَثِّركم بجعْله منكم ومن الأنعام أزواجاً.

وقال السدي: يخلقكم.

وقوله تعالى: { فِيهِ } في الأرحام. وقيل: في البطن. وقيل: في الزوج. وقيل: " فيه " بمعنى: به، أي: يذرؤكم ويُكَثِّرُكُم بما جعل لكم من الأزواج.

وقال الزمخشري: المعنى: يذرؤكم في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل.

والضمير في " يذرؤكم " يرجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء.

السابقالتالي
2