الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }

قوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } أي: لو أنزلنا القرآن بلسان أعجمي { لَّقَالُواْ لَوْلاَ }: هلاَّ { فُصِّلَتْ } أي: بُيِّنَت { آيَاتُهُ } بأن تنزل عربية، ولقالوا إنكاراً لذلك: { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أي: أقرآن أعجمي ورسول عربي؟، أو مرسل إليه عربي؟، والمعنى الأول قول سعيد بن جبير، والثاني قول السدي.

ومعنى الكلام: أنهم قوم شأنهم التعنت واتباع الهوى والتكذيب.

قرأ ابن كثير في رواية قنبل من طريق ابن شوذب وابن عامر من رواية الحلواني عن هشام: " أعجمي " بهمزة واحدة مقصورة مع سكون العين، وهي قراءة الحسن والضحاك والجحدري، ومثلهم عمرو بن ميمون، إلا أنه فتح العين. وقرأ الباقون بهمزتين على الاستفهام على اختلاف أصولهم.

قال أبو الفتح: أما من قرأ " أَعْجَمِيٌّ " بقصر الهمزة وسكون العين، فعلى أنه خبر [لا استفهام، أي]: لقالوا: لولا فصلت آياته. ثم أخبر فقال: الكلام الذي جاء به أَعْجَمِيٌّ، أي: قرآن وكلام أَعْجَمِيّ. ولم يخرج مخرج الاستفهام على معنى التعجب والإنكار على قراءة الكافة. وأما قراءة عمرو بن ميمون فهو منسوب إلى العجم.

وقال الزجاج في قراءة الحسن: المعنى: هلا بُيِّنَتْ آياته، فجعل بعضها بياناً للعرب وبعضها بياناً للعجم. وقد ذكرنا فيما مضى الفرق بين الأعجمي والعجمي.

قال الزمخشري: إن قلت: كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم وهم أمة العرب؟

قلتُ: هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتاباً عجمياً كُتِبَ إلى قوم من العرب، يقول: أكتاب عجمي ومكتوب إليه عربي، وذلك لأن مبنى الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه، لا على أن المكتوب إليه واحد أو جماعة، فوجب أن يجرد لما سيق له من الغرض، [ولا] يوصل به ما يحتمل غرضاً آخر. ألا تراك تقول -وقد رأيتَ لباساً طويلاً على امرأة قصيرة-: اللباس طويل واللابس قصير، ولو قلت: اللابسة قصيرة، جئت بما هو [لكنة] وفضول قول؛ لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس [وأنوثته]، إنما وقع في غرض وراءهما.

{ قُلْ هُوَ } أي: القرآن { هُدًى وَشِفَآءٌ } إرشاد إلى الحق وشفاء لما في الصدور من الظن والشك.

فإن قلت: { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } منقطع [عن] ذكر القرآن، فما وجه اتصاله به؟

قلتُ: لا يخلو إما أن يكون " الذين لا يؤمنون " في موضع الجر معطوفاً على قوله تعالى: { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } على معنى قولك: هو للذين آمنوا هدى وشفاء، وهو للذين لا يؤمنون في آذانهم وقر؛ إلا أن فيه عطفاً على عاملين، وإن كان الأخفش يجيزه. وإما أن يكون مرفوعاً على تقدير: والذين لا يؤمنون هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ، أو في آذانهم منه وقر.

وقد ذكرنا فيما مضى أن الوَقْر: الصَّمَم.

قوله تعالى: { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } وقرأ جماعة، منهم: ابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص: " عَمٍ " بكسر الميم، وقراءة الأكثرين أرجح، وهي اختيار أبي عبيد؛ لقوله: { هُدًى وَشِفَآءٌ } ، فكذلك " عمى " مصدر مثلهما، قال: ولو أنهما " هادٍ وشافٍ " لكان الكسر في " عمٍ " أجود؛ ليكون نعتاً مثلهما.

{ أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } تحقيق لمعنى إعراضهم وبُعدهم عن الحق، كأنهم لفرط ذلك كالذي يُصاح به من مكان بعيد، فهو لا يَسمع النداء.

والآية التي [بعدها] مفسرة في آخر سورة هود.