الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } هذا عام في كل من اتَّصف بهذه الأوصاف الثلاثة، ويدخل في عموم ذلك ما قاله المفسرون.

وقد روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت في المؤذِّنين. وهو قول عائشة ومجاهد.

وقال ابن عباس: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة لا إله إلا الله.

" وعمل صالحاً " قال ابن السائب: أدى الفرائض.

وقالت عائشة: صلى ركعتين بعد الأذان.

وقال عكرمة: صام وصلى.

" وقال إنني من المسلمين " أي: دان بالإسلام واعتقده، كما تقول: أنا أقول مقالة أهل الحديث، أي: أعتقد عقيدتهم وأذهب إلى مذهبهم.

قوله تعالى: { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } قال الزجاج: و " لا " زائدة مؤكدة. المعنى: لا تستوي الحسنة والسيئة. ومثله قال الفراء، وأنشد:
ما كان يرضي رسولَ الله فعلُهم   والطيبان أبو بكر ولا عمر
قال علي عليه السلام: " الحسنة ": حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، و " السيئة ": بغضهم.

وقال ابن عباس: " الحسنة ": الإيمان، و " السيئة ": الشرك.

وقال الضحاك: " الحسنة ": الحلم، و " السيئة ": الفحش.

وقيل: " الحسنة ": المداراة، و " السيئة ": الغلظة.

وقد أشرنا فيما مضى من كتابنا إلى أن هذه الأقوال وأمثالها لم تذكر لحصر المراد من الكلام، بل هي لبيان جنس [بذكر] بعض أنواعه.

قال صاحب الكشاف: إن [قلت]: هلاّ قيل: فادفع بالتي هي أحسن؟

قلتُ: هو على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقيل: ادفع بالتي هي أحسن.

فإن قلت: إذا كان المعنى " ولا تستوي الحسنة والسيئة " ، فالقياس على هذا التقدير أن يقال: ادفع بالتي هي حسنة.

قلتُ: أجل، ولكن وضع التي هي أحسن موضع الحسنة، ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة؛ لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها.

{ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } قال عكرمة: الولي: الصديق، والحميم: القريب.

أخرج البخاري في أفراده عن ابن عباس " في قوله تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } قال: الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوه عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم ".

وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار له ولياً بعد أن كان عدواً. ونظيره قوله تعالى:عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } [الممتحنة: 7].

قوله تعالى: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } قال الزجاج: وما يُلَقَّى هذه الفعلة، وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ، { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } من الخير.

السابقالتالي
2