الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ }

{ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قال الكلبي: ما بين أيديهم من أمر الآخرة، وهو قولهم لهم: لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب، { وَمَا خَلْفَهُمْ } من أمر الدنيا، فزينوا لهم اللذات.

وقيل: بالعكس.

وقيل: ما بين أيديهم ما فعلوه، وما خلفهم ما عزموا على فعله.

{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } يعني: كلمة العذاب { فِيۤ أُمَمٍ } أي: في جملة أمم.

وموضع " في أمم " من الإعراب: النصب على الحال من الضمير في " عليهم " ، أي: حَقَّ عليهم القول كائنين في جملة أمم.

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } يريد: الذين قيض لهم القرناء والأمم.

قوله تعالى: { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } قال الزجاج: عارضوه بكلام لا يُفهم يكون ذلك الكلام لغواً، يقال: لَغَا [يلغو] لغواً، ويقال أيضاً: لَغَا يَلْغَى لَغْواً؛ إذا تكلم باللغو، وهو الكلام الذي لا يحصل منه على نفع ولا على فائدة، ولا تفهم حقيقته.

وقرأ جماعة، منهم عيسى بن عمر: " والغُوا " بضم الغين.

قال أبو الفتح ابن جني: يقال منه: لَغَا يَلْغُو فهو لاغٍ، ومنه الحديث المرفوع: " من قال في الجمعة: صَهْ، فقد لغا ".

ويقال فيه: لَغِيَ يَلْغَى لغاً.

وقال الأخفش: من فتح الغين كان من لغا يلغى، مثل: طغى يطغى، ومن ضم الغين كان من لغا يلغو، مثل: دعا يدعو.

قال المفسرون: كانت قريش توصي بعضهم بعضاً: إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم باللغو لتُشَوِّشُوا عليهم.

وقال ابن عباس: قعوا فيه وعيبوه.

وقال مجاهد: والغوا فيه بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق.

{ فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } قال ابن عباس: يوم بدر.

{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا وفي الآخرة.

قوله تعالى: { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ } فيه الوجهان المذكوران في إعراب: " وذلكم ظنكم ". ويجوز فيه وجه ثالث وهو: أن يكون " النار ": ابتداء، و { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ }: خبراً، ويكون الوقف على قوله تعالى: { أَعْدَآءِ ٱللَّهِ }.

وقيل: ذلك إشارة إلى الأسوأ، ويجب أن يكون التقدير: أسوأ جزاء الذي كانوا يعملون، حتى تستقيم هذه الإشارة، و " النار " عطف بيان للإشارة، أو خبر مبتدأ محذوف.

قوله تعالى: { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } قال الزجاج: النار هي الدار، كما تقول: لك في هذه الدار دار السرور، وأنت تعني الدار بعينها. قال الشاعر:
أخُو رَغَائِبَ يُعْطِيها ويسأَلُها   يأْبى الظلامةَ منه النَّوفلُ الزُّفَرُ
قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: يقولون يوم القيامة { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا }.

وقد ذكر اختلاف القراء في " أرنا " في سورة البقرة في قوله تعالى:وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [البقرة: 128]، وأشرنا إلى تعليل ما قرؤوا به.

{ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } يريدون: إبليس وقابيل؛ لأن إبليس سَنَّ الكفر، وقابيل سَنَّ القتل بغير حق.

وقيل: أرادوا دعاة الضلالة من الجن والإنس.

والمعنى: أرناهما ومكنّا منهما.

{ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } في النار { لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } أي: في الدرك الأسفل من النار. سألوا ذلك حنقاً عليهم حيث كانوا السبب في إضلالهم.